للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَضْمُونٍ، وَأَمَّا تَلَفُهَا الْمَضْمُونُ فَهُوَ مَا اقْتَرَنَ بِعُدْوَانٍ فَهُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ، وَلَا يَخْلُو ضَامِنُهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُضَحِّيَ، أَوْ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ ضَمِنَهَا أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ الْمُضَحِّي ضَمِنَهَا الْمُضَحِّي فِي حُقُوقِ أَهْلِ الضَّحَايَا لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِخُرُوجِهَا بِالْإِيجَابِ عَنْ مِلْكِهِ لِيَكُونَ الْمُضَحِّي الْمُسْتَحِقَّ لِصَرْفِ ذَلِكَ وَبَدَلِهَا، وَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى هَذَا الْمُتْلِفِ بِقِيمَتِهَا لَا غَيْرَ وَإِنْ كَانَ الضَّامِنُ هُوَ الْمُضَحِّيَ ضَمِنَهَا بِأَكْثَرَ لِأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَقْتَ التَّلَفِ أَوْ مِثْلَهَا عِنْدَ النَّحْرِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَضْمَنُهَا بِقِيمَتِهَا لَا غَيْرَ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَهَا الْأَجْنَبِيُّ بِقِيمَتِهَا وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا الْمُضَحِّي بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ التَّالِفِ دُونَ الْمُتْلِفِ، أَلَا تَرَاهُ يَضْمَنُ رَهْنَهُ إِذَا أَتْلَفَهُ إِذَا كَانَ غَيْرَ ذِي مَثَلٍ كَالْأَجْنَبِيِّ وَبِمَثَلِهِ إِذَا كَانَ ذَا مَثَلٍ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ؟ كَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّهُ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْأُضْحِيَّةَ بِإِيجَابِهَا وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَإِذَا ضَمِنَهَا بِالتَّلَفِ صَارَ ضَامِنًا لَهَا بِأَمْرَيْنِ وَالتَّلَفُّظُ بِالِالْتِزَامِ.

وَلِذَلِكَ ضمن أكثر الأمرين من موجب الالتزام بالمثل أو موجب التلف بالقيمة وغيره يضمنها بقيمتها بالتلف دون الالتزام، فلذلك ضمنها بالقيمة دون المثل، وفيه دليل وانفصال.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ ضَمَانُهَا بِالْقِيمَةِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ فِي حَقِّ الْمُضَحِّي وَجَبَ عَلَى الْمُضَحِّي أَنْ يَعْرِفَ الْقِيمَةَ فِي شِرَاءِ مِثْلِهَا فِي جِنْسِهَا مِنْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ، وَفِي نَوْعِهَا مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعَزٍ وَفِي سِنِّهَا مِنْ جَذَعٍ أَوْ ثَنِيٍّ، فَلَوْ كَانَتِ الْأُضْحِيَّةُ ثَنِيَّةً مِنَ الْمَعْزِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْرِيَ جَذَعَة مِنَ الضَّأْنِ، وَإِنْ كَانَتْ خَيْرًا مِنْهَا لِتَعَيُّنِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ فِي نَوْعِهَا وَسِنِّهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْقِيمَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ثَمَنًا لِمِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْرِيَ بِهِ مِثْلَهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ إِيجَابُهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ وَاجِبٍ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا، وَنُظِرَ فِي الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِعَيْنِ الْقِيمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ صَارَتْ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا الْأُضْحِيَّةَ، وَإِنِ اشْتَرَاهَا فِي الذِّمَّةِ نَوَى بِالشِّرَاءِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ لَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إِلَى إِيجَابٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِالشِّرَاءِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ أَوْجَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ أُضْحِيَّةً لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَلَكِنْ فِي حَقِّ أَهْلِ الضَّحَايَا؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ أَصْلٍ قَدِ اسْتَحَقُّوهُ.

(فَصْلٌ:)

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْرِفَ الْقِيمَةَ فِي الْأَضَاحِيِّ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِأَهْلِهَا فَيَشْرِي مِنْهَا وَاحِدَةً مِثْلَهَا، وَفِيمَا يَشْتَرِيهِ بِبَاقِي الْقِيمَةِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>