للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُتَّسِعًا ضَمِنَ الذَّابِحِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَبْحُهَا فِي وَقْتِهِ بِبَقَائِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، وَإِنْ ضَاقَ حتى لو يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا زَمَانُ الذَّبْحِ لَمْ يَضْمَنِ الذَّابِحُ، لِأَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا فِي وَقْتِهِ، فَأَمَّا مَالِكٌ فَاحْتَجَّ بِأَنَّ الذَّبْحَ قُرْبَةٌ كَالتَّفْرِقَةِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهَا غَيْرُهُ لَمْ يجزه كَذَلِكَ إِذَا ذَبَحَهَا غَيْرُهُ لَمْ تُجْزِهِ.

وَدَلِيلُنَا: أَنَّ مَقْصُودَ الْأُضْحِيَّةِ إِيجَابُهَا فِي حَقِّ الْمَالِكِ وتفرقتها في حق المساكين والذبح تبعاً لَهُمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ وَجَدَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَذْبَحَ الْغَيْرُ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْإِجْزَاءِ.

وَلِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ وَقَصْدٍ، لِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَهَا الْمَالِكُ سَهْوًا أَجْزَأَتْ كَذَلِكَ إِذَا ذَبَحَهَا غَيْرُهُ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِهِ وَفِي هَذَيْنِ انفصال.

[(فصل:)]

فأما أبو حنيفة - رحمه الله - فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذَّابِحَ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ ذَبْحِهَا، لِأَنَّهُ إِرَاقَةُ دَمٍ مَشْرُوعٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ ضَمَانٌ كَالْخِتَانَةِ وَقَتْلُ الرِّدَّةِ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَلَمْ يَضْمَنْهَا مَنْ نَابَ عَنْهُ فِيهَا كَسَوْقِ الْهَدْيِ إِلَى مَحَلِّهِ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ مَا ضُمِنَ فِي غَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ ضُمِنَ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَاللَّحْمِ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ لَحْمُهُ ضُمِنَ ذَبْحُهُ كَغَيْرِ الْأُضْحِيَّةِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْخِتَانَةِ، فَهُوَ أَنَّهَا مَا أَحْدَثَتْ نَقْصًا، وَلَوْ أَحْدَثَتْهُ ضَمِنَ كَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةَ لَوْ لَمْ تُحْدِثْ نَقْصًا لَمْ تَضْمَنْ، فإذا أحدثه ضَمِنَ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَضْمَنُ بِغَيْرِ الْعَقْلِ، فَلَمْ يَضْمَنْ بِالْقَتْلِ وَالْأُضْحِيَّةُ تُضَمَّنُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ فَضُمِّنَتْ بِالذَّبْحِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى سَوْقِ الْهَدْيِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ نَقْصًا وَلَوْ عَطَبَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا وَكَانَ لِلْمُضَحِّيَيْنِ أُضْحِيَّتَانِ فَذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُفَرِّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَحْمَ ذَبِيحَتِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا، لِأَنَّهُ مَا قَامَ بِمَا عَلَيْهِ فِيهَا، وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ أُضْحِيَّتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنَّهُمَا يَتَقَاسَمَانِ الْقِيمَةَ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِيجَابِ، وَفِي الْقِيمَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُ الجمهور - إن يَضْمَنُ قِيمَتَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ، وَهِيَ حَيَّةٌ كَالْجَانِي.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة - أنه يضمن أكثر الأمرين من قِيمَتِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ قِيمَةِ لَحْمِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّفْرِقَةِ كَتَعَدِّيهِ بِالذَّبْحِ، وَهُوَ عِنْدِي

<<  <  ج: ص:  >  >>