للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَزَّ وَجَلَّ لِيُحَرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إِلَّا مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ في الإحلال والله أعلم فلما أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة والكلب العقور دل ذلك على أن هذا مخرجه ودل على معنى آخر أن العرب كانت لا تأكل مما أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قتله في الإحرام شيئاً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ الشَّافِعِيِّ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِثْبَاتُ أَصْلِهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِاسْتِطَابَةِ الْعَرَبِ وَاسْتِخْبَاثِهِمْ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَوْفَيْنَاهُ.

وَالثَّانِي: الرَّدُّ عَلَى مُخَالِفِهِ فِيهِ، وَهُوَ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ قَالَ كُلُّ الْحَيَوَانِ حَلَالٌ إِلَّا مَا وَرَدَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ، فَأَبَاحَ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ مِنَ الْجِعْلَانِ وَالدِّيدَانِ وَهَوَامِّهَا مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَسِبَاعِ الدَّوَابِّ، وَبُغَاثِ الطَّيْرِ وَجَوَارِحِهَا، وَحَلَّلَ لُحُومَ الْكِلَابِ، وَحَرَّمَ لُحُومَ الْخَيْلِ، وَجَعَلَ أَصْلَهُ إِحْلَالَ جَمِيعِهَا إِلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُحلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) {الأنعام: ١٤٥) . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) {المائدة: ٢٥) . فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ قَالَ: ولئن كان المعتبر باستطابة العرب فهم يستطيعون أَكْلَ جَمِيعِهَا سُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَمَّا يَأْكُلُونَ وَمَا يَذَرُونَ؟ فَقَالَ: نَأْكُلُ كُلَّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ إِلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ فَقِيلَ لَهُ: لِتَهْنَأْ أُمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةَ.

وَدَلِيلُنَا مَعَ تَقْرِيرِ الْأَصْلِ الذي حررنا قَوْله تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) {الأعراف: ١٧٥) . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِيهَا خَبِيثًا مُحَرَّمًا، وَطَيِّبًا حَلَالًا، وَمَالِكٌ جَعَلَ جَمِيعَهَا حَلَالًا طَيِّبًا.

وَرَوَى عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مخلبٍ مِنَ الطَّيْرِ " فَجَعَلَ هَذَا فِي التَّحْرِيمِ أَصْلًا مُعْتَبَرًا، وَمَالِكٌ لَا يَعْتَبِرُهُ، وَيَجْعَلُ الْكُلَّ حَلَالًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>