للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَكَلْنَاهُ.

وَلِأَنَّهَا بَهِيمَةٌ لَا تُنْجُسُ بِالذَّبْحِ، فَلَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا كَالنَّعَمِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَعْيِينَ بَعْضِ مَنَافِعِهَا بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا عَدَاهُ، كَمَا لَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ خَصَّ الرُّكُوبَ فِي الْخَيْلِ، وَلُحُومُ الْخَيْلِ لَيْسَتْ بِخَيْلٍ، وَلَيْسَ جَمْعُهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَمِيرِ مُوجِبًا لِتَسَاوِيهِمَا فِي التَّحْرِيمِ، كَمَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي السَّهْمِ مِنَ الْمَغْنَمِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ فِي الْخَبَرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: ضَعْفُ الْحَدِيثِ، لِأَنَّ الْوَاقِدِيَّ حَكَى أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ حَرَّمَ أَخْذَهَا مِنْ أَهْلِهَا بِالْعَهْدِ وَلَمْ يُرِدْ تَحْرِيمَ اللَّحْمِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْقِيَاسَيْنِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُمَا يَدْفَعَانِ النص فأطرحا.

والثاني: أن العرف لها جَرَى بِأَكْلِ الْخَيْلِ، وَلَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِأَكْلِ الْآدَمِيِّينَ وَالْحَمِيرِ فَافْتَرَقَا فِي الْحُكْمِ، وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا الْبِغَالُ فَأَكْلُهَا حَرَامٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حَلَالٌ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ فِي الْخَيْلِ.

وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " وحرامٌ عَلَيْكُمْ لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلُهَا وَبِغَالُهَا " وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، فَوَجَبَ فَيَ الْبِغَالِ أَنْ يُغَلَّبَ تَحْرِيمُ الْحَمِيرِ عَلَى إِبَاحَةِ الْخَيْلِ، وَهَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَوَلَّدٍ مِنْ بَيْنِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ حَرَامٌ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ عَلَى التَّحْلِيلِ كَالسِّمْعِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ كَمَا أَنَّ كُلَّ مُتَوَلَّدٍ مِنْ بَيْنِ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ فَهُوَ نَجِسٌ، وَكُلَّ حَيَوَانٍ كَانَ أَكْلُ لَحْمِهِ حَرَامًا كَانَ شُرْبُ لَبَنِهِ حَرَامًا إِلَّا أَلْبَانَ النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>