للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: بإكمال دينكم.

{وَرَضِيْتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِيناً) {المائدة: ٣) فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: رَضِيَتُ دِينَ الْإِسْلَامِ دِينًا.

وَالثَّانِي: رَضِيتُ الاستسلام أي طاعة، فَرَوَى قُبَيْصَةُ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَعَظَّمُوا الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَاتَّخَذُوهُ عِيدًا، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ نَزَلَتْ بِعَرَفَةَ، فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ، وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ لَنَا عِيدٌ، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَهَا إِبَاحَةَ مَا اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فقال: {فَمَنِ اضْطَرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) {المائدة: ٣) يَعْنِي: مَجَاعَةً، وهي مفعلة من خمص البطن، وهو اضطماره من الجوع مثل: مخملة ومخلة {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ) {المائدة: ٣) وَفِي الْمُتَجَانِفِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ الْمُتَعَمِدُ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ الْمَائِلُ.

وَفِي هَذَا الْإِثْمِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْكُلَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَجَاوَزَ فِي الضَّرُورَةِ مَا أَمْسَكَ الرَّمَقَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الشِّبَعِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَعْنِي غَفُورًا لِلْمَأْثَمِ، رَحِيمًا فِي الْإِبَاحَةِ.

وَإِنَّمَا اسْتَوْفَيْتُ تَفْسِيرَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَإِنْ تَجَاوَزْنَا بِهِمَا مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ؛ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِمَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالنَّعَمِ، مَعَ إِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله إنا بأرضٍ تصيبنا فيها المَخْمَصَةٌ، فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا، أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا بِهَا بَقْلًا فَشَأْنُكُمْ بِهَا " قَوْلُهُ " تَصْطَبِحُوا " مِنَ الصَّبُوحِ، وَهُوَ الْغَدَاءُ، وَ " تَغْتَبِقُوا " مِنَ الْغَبُوقِ، وَهُوَ العشاء، أي لم تجدوا " الْحَفَا " مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَصُولُ الْبَرْدِيِّ الرَّطْبِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَهُ وَأَمْثَالَهُ مِنَ الْحَشِيشِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ يُغْنِي عَنِ الْمَيْتَةِ.

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّكُمْ إِذَا تَغَذَّيْتُمْ، فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا عِنْدَ الْعَشَاءِ إِذَا تَعَشَّيْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا عِنْدَ الْغَدَاءِ؛ لِأَنَّ الرَّمَقَ يَتَمَاسَكُ، وَإِذَا وَجَدْتُمُ " الْحَفَا " فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوهَا؛ لِأَنَّ الرَّمَقَ بِهِ مُتَمَاسِكٌ، فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِهَا إِذَا لَمْ يتماسك الرمق إلا بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>