للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ جَرَى بِهَا الْعُرْفُ إِذَا لَمْ يُحْكَمَ لِلصَّانِعِ بالأجرة.

والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فَاخْتِلَافُهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي اخْتِيَارِ الْأَمِينِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ أَيْدِيهِمَا، فَيَخْتَارُ الْحَاكِمُ لَهُمَا أَمِينًا يَقْطَعُ بِهِ تَنَازُعَهُمَا، وَهَلْ يَكُونُ إِجْبَارُهُ مَقْصُورًا عَلَى مَنْ تَنَازَعَا فِيهِ، أَوْ يَكُونُ عَلَى الْعُمُومِ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

- أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى اخْتِيَارِ أَحَدِ الْأَمِينَيْنِ اللَّذَيْنِ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِمَا، لِانْصِرَافِ الْمُتَسَابِقَيْنِ عَنِ اخْتِيَارِ غَيْرِهِمَا.

- وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي اخْتِيَارِ مَنْ رَآهُ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَنَاءِ، لِأَنَّ تَنَازُعَهُمَا قَدْ رَفَعَ حُكْمَ اخْتِيَارِهِمَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي إِخْرَاجِهِ مِنْ أَيْدِيهِمَا، فَيَقُولَ أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فِي يَدِهِ.

وَيَقُولَ الْآخَرُ: بَلْ يَكُونُ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ أَمِينَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ يُعْتَبَرُ مَالُ السَّبَقِ فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى إِقْرَارِهِ مَعَهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الذِّمَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ إِلَّا بِاسْتِحْقَاقٍ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى وَضْعِهِ عَلَى يَدِ أَمِينٍ لِتَعْيِينِ الْحَقِّ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إليه من غيره.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلِ فَإِنْ سَبَقَهُمَا كَانَ السَّبَقَانِ لَهُ وَإِنْ سَبَقَ أَحَدَهُمَا الْمُحَلِّلُ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا ".

قَالَ الماوردي: وهذه صَحِيحٌ: يَجِبُ أَنْ يُجْرِيَ الْمُحَلِّلُ فَرَسَهُ بَيْنَ فَرَسِ الْمُتَسَابِقَيْنِ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَيْنَهُمَا لِلتَّحْلِيلِ دَخَلَ بَيْنَهُمَا فِي الْجَرْيِ.

وَالثَّانِي: لِأَنَّهُمَا بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ مُتَنَافِرَانِ فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا لِيَقْطَعَ تَنَافُرَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَوَسَّطْهُمَا، وَعَدَلَ إِلَى يَمِينٍ أَوْ يَسَارٍ جَازَ وَإِنْ أَسَاءَ إِذَا تَرَاضَيَا بِهِ الْمُسْتَبِقَانِ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا إِلَّا بِأَنْ يجري فرسه بينهما منع من العدول عن تَوَسُّطِهِمَا إِلَى يَمِينٍ أَوْ يَسَارٍ، لِأَنَّهُ تبعٌ لهما، فَكَانَ أَمْرُهُمَا عَلَيْهِ أَمْضَى، فَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِعُدُولِهِ عَنِ التَّوَسُّطِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى التَّوَسُّطِ دُونَ الِانْحِرَافِ، لِأَنَّهُ أَعْدَلُ بَيْنَهُمَا وَأَمْنَعُ مِنْ تَنَافُرِهِمَا، فَإِنْ رَضِيَا بِانْحِرَافِهِ عَنِ التَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا، وَدَعَا أَحَدَهُمَا إِلَى أَنْ يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>