للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحد منهما على سهم واحد حتى يستنفذا جَمِيعَ الرَّشْقِ، لِأَنَّ قُرْبَ الْمُعَاوَدَةِ إِلَى الرَّمْيِ أَحْفَظُ لِحُسْنِ الصَّنِيعِ.

فَإِنْ رَمَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ سَهْمٍ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ هَذَا التَّرْتِيبِ كَانَ مُحْتَسَبًا بِهِ مُصِيبًا وَمُخْطِئًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ مُصِيبًا وَلَا مُخْطِئًا لِأَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ مُجَوَّزٌ وَبَعْدَ الاستقرار ممنوع.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَإِذَا غَرَّقَ أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْ يَدَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغِ الْغَرَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِغْرَاقُ السَّهْمِ: فَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي مَدِّ الْقَوْسِ لِفَضْلِ قُوَّتِهِ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ السَّهْمَ، فَيَخْرُجَ مِنْ جَانِبِ الْوَتَرِ الْمَعْهُودِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فإن من أجناس القسي والسهم مَا يَكُونُ مَخْرَجُ السَّهْمِ مِنْهَا عَنْ يَمِينِ الرَّامِي جَارِيًا عَلَى إِبْهَامِهِ، فَيَكُونُ إِغْرَاقُهُ أَنْ يَخْرُجَ السَّهْمُ بِاسْتِيفَاءِ الْمَدِّ إِلَى يَسَارِهِ جَارِيًا عَلَى سَبَّابَتِهِ.

وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَخْرَجُهُ بِالضِّدِّ على يساره الرَّامِي جَارِيًا عَلَى سَبَّابَتِهِ. فَيَكُونُ إِغْرَاقُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى يَمِينِهِ جَارِيًا عَلَى إِبْهَامِهِ، فَإِذَا أَغْرَقَ السَّهْمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَمْ يَكُنْ إِغْرَاقُهُ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْعَارِضُ فَلَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ إِنْ أَخْطَأَ بِهِ " وَهُوَ عِنْدِي نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَمُدَّ الْقَوْسَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ حَتَّى زَادَ فِيهِ، فَأَغْرَقَ أَوْ نَقَصَ فَقَصَّرَ كَانَ بِسُوءِ الرَّمْيِ أَشْبَهَ.

فَإِذَا أَخْطَأَ بِالسَّهْمِ الْمُغَرَّقِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ أَصَابَ احْتُسِبَ لَهُ، لِأَنَّ الْإِصَابَةَ بِهِ مَعَ الْخَلَلِ أَدُلُّ عَلَى حِذْقِ الرَّامِي في الإصابة مع الاستقامة.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَكَذَلِكَ لَوِ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أَوِ انْكَسَرَتْ قَوْسُهُ فَلَمْ يَبْلُغِ الْغَرَضَ أَوْ عَرَضَ دُونَهُ دابةٌ أَوْ إنسانٌ فَأَصَابَهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مَا لَا يَمُرُّ السَّهْمُ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا انْقَطَعَ وَتَرُهُ، أَوِ انْكَسَرَ قَوْسُهُ، فَقَصَرَ وَقْعُ السَّهْمِ، وَأَخْطَأَ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ لِسُوءِ رَمْيِهِ، وَلَكِنْ لِنَقْصِ آلَتِهِ، وَلَوْ أَصَابَ بِهِ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ إِصَابَتِهِ، لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى حِذْقِهِ، وَهَكَذَا لَوْ عَرَضَ دُونَ الْهَدَفِ عَارِضٌ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ إِنْسَانٍ وَقَعَ السَّهْمُ فِيهِ، وَمَنَعَ مِنْ وُصُولِهِ إِلَى الْهَدَفِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، وَأُعِيدَ السَّهْمُ إِلَيْهِ، فَإِنْ خَرَقَ السَّهْمُ الْحَائِلَ وَنَفَذَ فِيهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الْهَدَفِ، فَأَصَابَ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ إِصَابَتِهِ، لِأَنَّهُ بِالْإِصَابَةِ مِعِ هَذَا الْعَارِضِ أَشَدُّ وَأَرْمَى وَيُسَمَّى هَذَا السَّهْمُ خَارِقًا وَقَدْ كَانَ الْكُسَعِيُّ فِي الْعَرَبِ رَامِيًا، فَخَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَرَأَى ظَبْيًا فَرَمَاهُ فَأَنْفَذَهُ وَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْهُ، فَأَصَابَ حَجَرًا فَقَدَحَ مِنْهُ نَارًا فَرَأَى ضَوْءَ النَّارِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>