للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَ دُونَ الشَّنِّ شيءٌ فَهَتَكَهُ السَّهْمُ ثُمَّ مَرَّ بِحَمْوَتِهِ حَتَّى يُصِيبَ كَانَ مُصِيبًا وَلَوْ أَصَابَ الشَّنَّ ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ حُسِبَ وَهَذَا كَنَزْعِ إِنْسَانٍ إِيَّاهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا اعْتَرَضَ بَيْنَ السَّهْمِ وَالْهَدَفِ حَائِلٌ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ إِنْسَانٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ بِهِ السَّهْمُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْهَدَفِ لَمْ يُحْتَسَبْ فِي صَوَابٍ وَلَا خَطَأٍ، وَإِنْ نَفَذَ فِي الْحَائِلِ حَتَّى مَرَقَ مِنْهُ، وَأَصَابَ الْهَدَفَ كَانَ مُصِيبًا، وَلَوْ نَقَضَ الْحَائِلُ السَّهْمَ حتى عدل بالنقص إِلَى الْهَدَفِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ مُصِيبًا وَلَا مُخْطِئًا؛ لِأَنَّهُ بِالنَّقْضِ أَصَابَ لَا بِالرَّمْيِ كَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ بِحَصَاةٍ فَوَقَعَتْ عَلَى إِنْسَانٍ، فَنَقَضَهَا حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْجَمْرَةِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهَا، ولو أصاب السهم الحائل ثم اندفع بحمومته، فَأَصَابَ فَهَذَا مُزْدَلِفٌ، وَفِي الِاحْتِسَابِ بِهِ فِي الإصابة قولان.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنَاضِلَ أَهْلُ النُّشَّابِ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَهْلَ الْحُسْبَانِ لِأَنَّ كُلَّهَا نصلٌ، وَكَذَلِكَ الْقِسِيُّ الدُّودَانِيَّةُ وَالْهِنْدِيَّةُ وَكُلُّ قوسٍ يُرْمَى عَنْهَا بسهمٍ ذِي نصلٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنْوَاعُ الْقِسِيِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ النَّاسِ، فَلِلْعَرَبِ قِسِيٌّ، وَسِهَامٌ وللعجم قسي وسهام، وقيل إن أول ما صَنَعَ الْقِسِيَّ الْعَرَبِيَّةَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَأَوَّلَ مَنْ صَنَعَ الْقِسِيَّ الْفَارِسِيَّةَ النُّمْرُوذُ بْنُ كَنْعَانَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُحِبُّ الْقَوْسَ الْعَرَبِيَّةَ، وَيَأْمُرُ بِهَا، وَيَكْرَهُ الْقَوْسَ الْفَارِسِيَّةَ، وَيَنْهَى عَنْهَا، وَرَأَى رَجُلًا يَحْمِلُ قَوْسًا فَارِسِيَّةً فَقَالَ: " مَلْعُونٌ حَامِلُهَا، عَلَيْكُمْ بِالْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّةِ وَسِهَامِهَا فَإِنَّهُ سَيُفْتَحُ عَلَيْكُمْ بِهَا " وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ مَحْمُولًا عَلَى الْحَظْرِ الْمَانِعِ، وَفِي تَأْوِيلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لِيَحْفَظَ بِهِ آثَارَ الْعَرَبِ، وَلَا يَعْدِلُ النَّاسُ عَنْهَا رَغْبَةً فِي غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّدْبُ إِلَى تَفْضِيلِ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ بَاقِيًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ أَمَرَ بِهَا لِتَكُونَ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا يَتَشَبَّهُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُقْتَلُوا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّدْبُ إِلَى تَفْضِيلِهَا مُرْتَفِعًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَشَتْ فِي عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالثَّالِثُ: مَا قَالَهُ عَطَاءٌ إِنَّهُ لَعَنَ مَنْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَدْبًا إِلَى تَفْضِيلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ نَهْيًا عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا، وَخَصَّهَا بِاللَّعْنِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَنَكَأَ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ رَضِيَ عَنْهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَوْسِهِ لِمَنْ قَوِيَ رَمْيُهُ عَنْهَا أَحَبَّ إِلَيْنَا، فَإِنْ كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَرَمَى كَانَتْ بِهِ أَوْلَى، وَيَكُونُ النَّدْبُ مِنْهَا إِلَى مَا هُوَ به

<<  <  ج: ص:  >  >>