للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي عَقْدٍ بَيْنَ مُتَنَاضِلَيْنِ عَلَى إِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ رَشْقٍ مَعْلُومٍ، كَاشْتِرَاطِهِمَا إِصَابَةَ عَشَرَةٍ مِنْ عِشْرِينَ فَيَشْرَعَانِ فِي الرَّمْيِ، وَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ إِصَابَتِهِ عَلَى تساوٍ أَوْ تُفَاضِلٍ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، ثُمَّ يَسْتَثْقِلَانِ إِتْمَامَ الرَّمْيِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ هوذا أَرْمِي بِهَذَا السَّهْمِ فَإِنْ أَصَبْتُ بِهِ، فَقَدَ نَضَلْتُكَ وَإِنْ أَخْطَأْتُ بِهِ، فَقَدَ نَضَلْتَنِي فَهَذَا بَاطِلٌ، لَا يَصِيرُ بِهِ نَاضِلًا إِنْ أَصَابَ، ولا منضولاً إن أخطأت.

وَلِبُطْلَانِهِ عِلَّتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: إِنَّهُ جَعَلَ الْإِصَابَةَ الْوَاحِدَةَ قَائِمَةً مَقَامَ إِصَابَاتٍ، فَبَطَلَ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَؤُولَ إِلَى أَنْ يَصِيرَ مِنْ قِلَّةِ إِصَابَتِهِ نَاضِلًا وَمِنْ كَثْرَةِ إِصَابَتِهِ مَنْضُولًا، فَإِنْ تَقَاسَمَا عَقْدَهُمَا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ: ارْمِ بِسَهْمِكَ هَذَا، فَإِنْ أَصَبْتَ بِهِ، فَلَكَ دِرْهَمٌ، جَازَ وَاسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ إِنْ أَصَابَ، وَلِجَوَازِهِ عِلَّتَانِ: إِحْدَاهُمَا إِنَّهُ قَدْ أَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ، فَالْتَزَمَ لَهُ مَا بَذَلَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَالثَّانِيَةُ: إِنَّهُ تَحْرِيضٌ فِي طَاعَةٍ فَلَزِمَ الْبَذْلُ عَلَيْهَا كَالْمُنَاضَلَةِ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: وَهَذَا بَذْلُ مَالٍ عَلَى عَمَلٍ، وَلَيْسَ بِنِضَالٍ؛ لِأَنَّ النِّضَالَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَأَكْثَرَ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَنَاضَلَ رَجُلَانِ عَلَى إِصَابَةِ عَشَرَةٍ مِنْ عِشْرِينَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَحَضَرَ ثَالِثٌ، فَقَالَ لِمُخْرِجِ الْمَالِ: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ، فَإِنْ نَضَلْتَ فَلِي نِصْفُ الْعَشَرَةِ، وَإِنْ نَضَلَكَ فَعَلَيَّ نِصْفُ الْعَشَرَةِ كَانَ بَاطِلًا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا شَرِيكُكَ فِي الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِعِلَّتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: إِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي عَقْدِهِمَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ شَرِيكًا لَهُمَا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَصِيرُ آخِذًا بِغَيْرِ عَمَلٍ وَمُعْطِيًا مِنْ غَيْرِ بَذْلٍ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: " وَإِنْ قَالَ ارْمِ عَشَرَةَ ارشاقٍ فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ أَكْثَرَ فَلَكَ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمُزَنِيَّ حَذَفَ مِنْهَا مَا قَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " فَقَالَ فِيهِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ: نَاضِلْ نَفْسَكَ، وَارْمِ عَشَرَةَ أَرْشَاقٍ، فَإِنْ كَانَ صَوَابُكَ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِكَ فَلَكَ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنَاضِلَ نَفْسَهُ، فَحَذَفَ الْمُزَنِيُّ قَوْلَهُ: " نَاضِلْ نَفْسَكَ " وَأَوْرَدَ بَاقِيَ كَلَامِهِ وَحُكْمُهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>