للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْجَوَّانِيَّ؛ لِتَعْدِيلِ مَا بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " كَرِهْتُ " مَحْمُولًا عَلَى كَرَاهَةِ الِاخْتِيَارِ، وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَقَدْ أَجَازَ الرُّمَاةُ لِلْمُسْبِقِ أَنْ يُرَامِيَهُ رَشْقًا وَأَكْثَرَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا أَجَازَهُ فِي الرُّقْعَةِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْ ثلاثمائةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا مُشْتَبَهًا يَشْتَمِلُ عَلَى أَسْمَاءٍ مُبْهَمَةٍ، وَأَحْكَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فيلزم تعيين أسمائها، وبيان أحكامها.

فأما السماء، فَذَكَرَ مِنْهَا الرَّشْقَ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ اسْمٌ لِلرَّمْيِ، وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِعَدَدِ الرَّمْيِ، وَهُمَا عَدَدَانِ لَازِمٌ وَمُسْتَحَبٌّ.

فَأَمَّا اللَّازِمُ فِي الْعَقْدِ، فَهُوَ جُمْلَةُ عَدَدِ الرَّمْيِ الَّذِي تَعَاقَدَا عَلَيْهِ، كَاشْتِرَاطِهِمَا رَمْيَ مِائَةِ سَهْمٍ، فَالْمِائَةُ رشقٌ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ الرِّشْقِ حَقِيقَةً.

وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ فِي الْعَقْدِ، فَهُوَ تَفْصِيلُ عَدَدِ الرَّمْيِ الَّذِي يَتَنَاوَبَانِ فِيهِ كَاشْتِرَاطِهِمَا أَنْ يَتَرَامَيَا خَمْسًا خَمْسًا، أَوْ عَشْرًا عَشْرًا، فَالْعَشْرُ رشقٌ، يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ الرِّشْقِ، مَجَازًا؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْحَقِيقَةِ، فَصَارَا رِشَقَيْنِ: رِشْقَ جُمْلَةٍ، وَرِشْقَ تَفْصِيلٍ.

وَعَادَةُ الرُّمَاةِ فِي رِشْقِ التَّفْصِيلِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ خَمْسًا خَمْسًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ عَشْرًا عَشْرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ اثْنَيْ عَشَرَ اثْنَيْ عَشَرَ تَبَرُّكًا بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أُحُدٍ: ارْمِ فداك أبي وأمي، اثني عَشْرَةَ مَرَّةً، فَكَانَ حُسْنُ الْأَثَرِ فِي الرَّمْيِ مُعْتَبَرًا بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ سَهْمًا، وَأَرَاقَ فِيهِ دَمًا، وَشِعْرُهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ حَيْثُ يَقُولُ:

(أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نبلي)

(فما تعتد رامٍ فِي عدوٍّ ... بسهمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قبلي)

\

وذلك أن دينك دين صدق وذي حق حتى أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ.

فَأَمَّا النَّدْبُ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ اسْمًا لِمَالِ السَّبَقِ، وَالرَّمْيِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ اسْمًا لِعَدَدِ الرَّمْيِ كَالرِّشْقِ، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا، هَلْ يَنْطَلِقُ عَلَى عَدَدِ الْجُمْلَةِ أم عدد

<<  <  ج: ص:  >  >>