للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) {البقرة: ٢٢٥) .

وَاللَّغْوُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ مَا كَانَ قَبِيحًا مَذْمُومًا، وَخَطَأً مَذْمُومًا مَهْجُورًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وِإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) {القصص: ٥٥) .

وَفِي لَغْوِ الْأَيْمَانِ سَبْعَةُ تَأْوِيلَاتٍ، وَقَدْ أَفْرَدَ الشَّافِعِيُّ لِذَلِكَ بَابًا يُذْكَرُ فِيهِ، وَفِي تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُؤَاخَذُ فِيهِ بِالْكَفَّارَةِ.

وَالثَّانِي: لَا يُؤَاخَذُ فِيهِ بِالْإِثْمِ.

وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بَمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا قَصَدْتُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ.

وَالثَّانِي: مَا اعْتَمَدْتُمْ مِنَ الْكَذِبِ، {وَاللهُ غَفُورٌ} لِعِبَادِهِ فِيمَا لَغَوْا مِنْ أَيْمَانِهِمْ {حَلِيمٌ} فِي تَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَعَاصِيهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ) {المائدة: ٨٩) . وَعَقْدُهَا هُوَ لَفَظٌ بِاللِّسَانِ، وَقَصْدٌ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ مَا لَمْ يَقْصِدْهُ من أيمانه هو لغوٌ لا يؤاخذ له.

وَفِي تَشْدِيدِ قَوْلِهِ {عَقَّدْتُمْ} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَغْلِيظُ الْمَأْثَمِ بِتَكْرَارِهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ تِكْرَارَهَا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ وَاحِدًا لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشْرَة مَسَاكِينَ) {المائدة: ٨٩) . فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا كَفَّارَةُ مَا عَقَدُوهُ مِنَ الْأَيْمَانِ، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ.

وَالثَّانِي: إِنَّهَا كَفَّارَةُ الْحِنْثِ بَعْدَ عَقْدِ الْأَيْمَانِ، وَلَعَلَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الْيَمِينِ فِي عَقْدِهَا وَحَلِّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَقْدُهَا طَاعَةً، وَحَلُّهَا مَعْصِيَةً.

كقوله: والله لا قتلت نفساً خيرة، وَلَا شَرِبْتُ خَمْرًا.

فَإِذَا حَلَفَ، بِقَتْلِ النَّفْسِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَكَانَتِ الْكَفَّارَةُ لِتَكْفِيرِ مَأْثَمِ الْحِنْثِ دُونَ عَقْدِ الْيَمِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>