للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ الْحَالِفُ بِالْإِلَهِ مُنْعَقِدَ الْيَمِينِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، لِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْمِلَلِ لَيْسَ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، انْعَقَدَ بِهِ الْيَمِينُ فِي الظَّاهِرِ، وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ مَوْقُوفًا عَلَى إِرَادَتِهِ، لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ هَذَا الِاسْمَ مُشْتَرِكًا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا.

(فَصْلٌ:)

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مِنْ أَسْمَائِهِ مَا اخْتَصَّ إِطْلَاقُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ فِي الْإِضَافَةِ مُشْتَرِكًا، وَهُوَ الرَّبُّ، اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ صِفَةٍ، اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَالِكِ، كَمَا يُقَالُ: رَبُّ الدَّارِ أَيْ مَالِكُهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السَّيِّدِ، لِأَنَّ السَّيِّدَ يُسَمَّى رَبًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) {يوسف: ٣٦) . يَعْنِي: سَيِّدَهُ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ الرَّبُّ الْمُدَبِّرُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} (المائدة: ٤٤) . وَهُمُ الْعُلَمَاءُ سُمُّوا رَبَّانِيِّينَ، لِقِيَامِهِمْ بِتَدْبِيرِ النَّاسِ بِعِلْمِهِمْ وَقِيلَ: رَبَّةُ الْبَيْتِ، لِأَنَّهَا تُدَبِّرُهُ.

وَالرَّابِعُ: إِنَّ الرَّبَّ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّرْبِيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكِمُ) {النساء: ٢٣) . فَسُمِّيَ وَلَدُ الزَّوْجَةِ رَبِيبَةً، لِتَرْبِيَةِ الزَّوْجِ لَهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ قِيلَ: إِنَّ صِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ رَبٌّ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ سَيِّدٌ، فَذَلِكَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ.

وَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُ مُدَبِّرٌ لِخَلْقِهِ أَوْ مُرَبِّيهِمْ، فَذَلِكَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ، وَصِفَاتُ ذَاتِهِ قَدِيمَةٌ، وَصِفَاتُ فِعْلِهِ مُحْدَثَةٌ، وَهُمَا فِي اشْتِقَاقِ الِاسْمِ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ حَالِفًا بِالِاسْمِ دُونَ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ بِالصِّفَتَيْنِ مُخْتَلِفَةً، تَنْعَقِدُ بِصِفَةِ الذَّاتِ لِقَدَمِهَا، وَلَا تَنْعَقِدُ بِصِفَةِ الْفِعْلِ، لِحُدُوثِهَا.

فَإِذَا تَقَرَّرَ اشْتِقَاقُهُ انْقَسَمَتِ الْيَمِينُ بِهِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَهُوَ أَنْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: رَبُّ العالمين، أو رب السموات وَالْأَرْضِينَ، فَهَذَا حَالِفٌ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ غَيْرَ اللَّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا فِي الظَّاهِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ حَالِفٍ بِهِ فِي الْبَاطِنِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَالرَّبِّ، فَيُدْخِلُ عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَلَا يُعَرِّفُهُ بِصِفَةٍ، فَيَكُونُ حَالِفًا بِهِ فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِهِ رَبَّ الدَّارِ، دِينَ فِي الْبَاطِنِ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَالِفًا لِاحْتِمَالِهِ، وَكَانَ حَالِفًا بِهِ فِي الظَّاهِرِ لِإِطْلَاقِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا فِي الظَّاهِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالِفًا بِهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>