للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خيرٌ ". فَجَوَّزَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ فِيهَا وَفِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ تَأْخِيرُ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْحِنْثِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ أَشْهَرُ مِنْ تَقْدِيمِ الْحِنْثِ.

وَالثَّانِي: إِنَّنَا نَسْتَعْمِلُ الروايتين معاً، فنحمل تقديم الكفارة على الجواز تَأْخِيرِهَا عَلَى الْوُجُوبِ، وَنَسْتَعْمِلُهَا عَلَى وَجْهٍ ثانٍ أَنْ يُحْمَلَ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، وَتَأْخِيرُهَا على التكفير بالصيام. فتكون باستعمال الخيرين أسعد مِمَّنِ اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا وَأَسْقَطَ الْآخَرَ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ مَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَ إِنْسَانًا وَعَجَّلَ كَفَّارَةَ قَتْلِهِ بَعْدَ جُرْحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ أَجْزَأهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا لَوْ قَدَّمَ جَزَاءَهُ بَعْدَ جُرْحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ أَجْزَأهُ، فَجَعَلَ هَذَا مَعَهُ أَصْلًا لِلْقِيَاسِ فَنَقُولُ: يُكَفِّرُ لِتَعَلُّقِ وُجُوبِهِ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَلِأَنَّهُ يُكَفِّرُ بِمَالٍ بَعْدَ عَقْدِ الْيَمِينِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْحِنْثِ.

وَلِأَنَّهُ حَقُّ مالٍ يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ يَخْتَصَّانِ فه فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا قِيَاسًا عَلَى تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ وُجُوبِهَا بِسَبَبَيْنِ دَلَّلْنَا عَلَى وُجُوبِهَا بِالْحِنْثِ وَالْيَمِينِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَدْتُمْ الأَيْمَانَ) {المائدة: ٨٩) وَبِقَوْلِهِ: {ذَلِكَ كَفَّارَةٌ أيْمَانِكُمْ) {المائدة: ٨٩) فَجَعَلَهَا تَكْفِيرًا لِلْيَمِينِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْحِنْثِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْيَمِينِ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَعَبْدِي حرٌّ كَانَ عِتْقُهُ مُتَعَلِّقًا بِيَمِينِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَإِنْ مَنَعَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِيَمِينِهِ وَبِدُخُولِ الدَّارِ، وَارْتَكَبُوا أَنَّ عِتْقَهُ مُخْتَصٌّ بِدُخُولِ الدَّارِ وَحْدَهُ مَنَعُوا مِنِ ارْتِكَابِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِمَا لَا يَدْفَعُونَهُ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا الْعَبْدِ إِذَا ادَّعَى الْعِتْقَ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ، فَأَنْكَرَهُ السَّيِّدُ فَأَقَامَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَيْنِ بِالْحِنْثِ وحكم الحاكم بعتقه، ثم رجع شاهد الْيَمِينِ وَشَاهِدَا الْحِنْثِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى شَاهِدَيِ الْيَمِينِ خَاصَّةً نِصْفَيْنِ وَعِنْدَنَا تَجِبُ عَلَى شَاهِدَيِ الْيَمِينِ وَشَاهِدَيِ الْحِنْثِ أَرْبَاعًا، فقد جعل عتقه باليمين أخص مِنَ الْحِنْثِ، فَكَانَتِ الْأَيْمَانُ بِاللَّهِ أَوْلَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَقَدْ مَضَى.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْقِيَاسِ عَلَى تَعْجِيلِ الصِّيَامِ فَهُوَ أَنَّ الصِّيَامَ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>