للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَخْطَأَ فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ اعْتُبِرَ حَالُ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا ظَنَّهُ حُرًّا أَوْ كَافِرًا ظَنَّهُ مُسْلِمًا أَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى ظَنَّهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى لَمْ يُجْزِهِ مَا دَفَعَ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ إِذَا لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ مَعَ الْعَمْدِ لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ الْخَطَأِ، كَرَدِّ الْوَدَائِعِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ لِأَسْبَابِ الْمَنْعِ مِنَ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ وَالنَّسَبِ عَلَامَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا وَأَمَارَاتٍ لَا تَخْفَى مَعَهَا، فَكَانَ الْخَطَأُ مِنْ تَقْصِيرٍ فِي الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ دَفَعَهَا إِلَى غنيٍّ يَظُنُّهُ فَقِيرًا فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُعِيدُ وَلَا يُجْزِئُهُ لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَطَأَ فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ كَالْعَمْدِ وَالْقَوَدِ.

وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُ لِعَدَمِ التَّعْلِيلِ الثَّانِي فِي فَقْدِ الْأَمَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى غِنَاهُ، لِأَنَّ الْمَالَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ وَالرِّقُّ وَالْكُفْرُ لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُمَا، فَكَانَ بِخَطَئِهِ فِي الْغَنِيِّ مَعْذُورًا وَفِي الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ مُقَصِّرًا.

وَإِنْ دَفْعَ كَفَّارَتَهُ وَزَكَاتَهُ إِلَى السُّلْطَانِ وَأَخْطَأَ السُّلْطَانُ فِي دَفْعِهَا إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهَا نُظِرَ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ دَفَعَهَا إِلَى غَنِيٍّ أَجْزَأَ لِخَفَاءِ حَالِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ دَفَعَهَا إِلَى عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ ذِي قُرْبَى فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُهَا وَيُعِيدُهَا، كَمَا يَلْزَمُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يُعِيدَهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُهَا وَتَقَعُ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السُّلْطَانِ لِعُمُومِ الْأُمُورِ يَقْطَعُ عَنِ التَّفَرُّدِ بِالِاجْتِهَادِ فِيهَا، وَلَا يَقْطَعُ رَبُّ الْمَالِ عَنِ التَّوَفُّرِ فِي الِاجْتِهَادِ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَا يُطْعِمُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا مِائَةً وَعِشْرِينَ مُدًّا فِي سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ لَمْ يُجْزِهِ فَقَالَ أَرَاكَ جَعَلْتَ وَاحِدًا سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوي عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَإِنْ شَهِدَ الْيَوْمَ شاهدٌ بحقٍّ ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ فَشَهِدَ بِهِ فَقَدْ شَهِدَ بِهَا مَرَّتَيْنِ فَهُوَ كَشَاهِدَيْنِ فَإِنْ قَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْعَدَدَ قِيلَ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ اللَّهُ لِلْمَسَاكِينِ الْعَدَدَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى عَدَدِهِمْ فِي الْكَفَّارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا عَشَرَةُ مَسَاكِينَ، وَإِنْ دَفْعَ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ أَجَزَأَهُ أَحَدُهُمَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>