للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي مِلْكِهِ دُونَ الْمَأْمُورِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عِتْقُهُ بَاطِلًا؟ وَالْعَبْدُ عَلَى رِقِّهِ وَالْكَفَّارَةُ بَاقِيَةً فِي ذِمَّةِ الْآمِرِ.

(فَصْلٌ:)

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَالُ التَّكْفِيرِ مِلْكًا لِلْمَأْمُورِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجْزَائِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إِنَّهُ يُجْزِئُ سَوَاءٌ كَانَ بِجُعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جعلٍ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لَا يُجْزِئُ سَوَاءٌ كَانَ بِجُعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جُعْلٍ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّهُ يُجْزِئُ إِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، وَلَا يُجْزِئُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ جُعْلٍ.

وَدَلِيلُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مُسْتَوْفًى، أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِجُعْلٍ جَرَى مَجْرَى الْبِيَاعَاتِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ جُعْلٍ جَرَى مَجْرَى الْهِبَاتِ، وَالْإِخْرَاجُ فِيهَا قَبْضٌ يَلْزَمُ بِهِ الْهِبَةُ، وَيَسْتَقِرُّ بِهِ الْبَيْعُ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ مِلْكُ الْأَمْرِ لَهُ، حَتَّى يُجْزِئَهُ فِي كَفَّارَتِهِ، قِيلَ: قَدْ حَكَى فِيهِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهَيْنِ خَرَّجَهُمَا مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، هَلْ يَمْلِكُهَا الْمَقْتُولُ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ حَيَّاتِهِ، أَوْ يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ فِي أَوَّلِ أَجْزَاءِ مَوْتِهِ، وَيَجْرِي عَلَيْهَا فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ، وَإِنْفَاذِ وَصَايَاهُ، حُكْمُ مِلْكِهِ عَلَى قولين كذلك هاهنا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَصِيرُ بِإِخْرَاجِهَا مَالِكًا لَهَا قَبْلَ إِخْرَاجِهَا، فَإِنْ كَانَ عِتْقًا بَانَ بِالْعِتْقِ أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَمْلِكُ، وَبَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ، فَصَارَ حُكْمُ الْمِلْكِ جَارِيًا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ كَمَا نَقُولُ فِي حَافِرِ الْبِئْرِ إِذَا تَلِفَ فِيهَا حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ فِي حُكْمِ الْجَانِي عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَانِيًا، لِأَنَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَجْنِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْفِعْلُ، فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَيَكُونُ وَلَاءُ الْمُعْتِقِ لِلْآمِرِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا، وَمِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّكْفِيرِ إِذَا قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ قِيمَتُهُ، هَلْ يَصِيرُ مَالِكًا لَهُ قَبْلَ إِلْقَائِهِ أَمْ لَا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: إِنَّنَا نَعْلَمُ قَبْلَ إِلْقَائِهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَالِكًا لَهُ قَبْلَ إِلْقَائِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَالِكًا لَهُ، وَإِنَّمَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِلْكِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِلْقَاءِ لَمْ يَمْلِكْ، وَبَعْدَ الْإِلْقَاءِ لَا يَصِحُّ أن يملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>