للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الصِّيَامُ عَنِ الحيِّ فَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا بِأَمْرٍ أَوْ غَيْرِ أمرٍ، عَنْ قَادِرٍ أَوْ عَاجِزٍ، لِلظَّاهِرِ مِنْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) {النجم: ٣٩) وَلِأَنَّ مَا تَمَحَّضَ مِنْ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ لَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ، كَالصَّلَاةِ، وَخَالَفَ الْحَجُّ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالْمَالِ لَمْ يَتَمَحَّضْ عَلَى الْأَبْدَانِ، فَصَحَّتْ فِيهِ النِّيَابَةُ كَالزَّكَاةِ.

فَأَمَّا الصِّيَامُ عَنِ الْمَيِّتِ فَقَدْ وَقَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ صَوْمِ نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهَا؟ فَمَاتَتْ قَبْلَ صِيَامِهِ، فَأَجَازَ لَهَا أَنْ تَصُومَ عَنْهَا.

وَقَدْ حَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ الْخَبَرَ قَدْ صَحَّ فَصَارَ مَذْهَبُهُ فِي الْقَدِيمِ جَوَازَ الصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَقَدْ رَوَى عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صيامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ "؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَدْخُلُ فِي جُبْرَانِهَا الْمَالُ فَصَحَّتْ فِيهَا النِّيَابَةُ كَالْحَجِّ طَرْدًا وَالصَّلَاةِ عَكْسًا، وَدُخُولُ الْمَالِ فِي جُبْرَانِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: جُبْرَانُ الصِّيَامِ فِي الْوَطْءِ بِالْكَفَّارَةِ.

وَالثَّانِي: عَجْزُ الشيخ الهم عَنِ الصِّيَامِ، وَانْتِقَالُهُ إِلَى إِخْرَاجِ مُدٍّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّ النِّيَابَةَ فِي الصِّيَامِ لَا تَجُوزُ بحالٍ عَنْ حيٍّ وَلَا مَيِّتٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صيامٌ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ عَلَى الْبَدَنِ لَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِالْمَالِ، فَلَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ طَرْدًا، وَالْحَجِّ عَكْسًا، فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَعْلُولٌ وَإِنْ صَحَّ كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يُرِيدَ بِالصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ الصَّدَقَةَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَنِ الْمَيِّتِ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ جَوَازُهُ، وَهُوَ قولٌ شَاذٌّ تَفَرَّدَا بِهِ عَنِ الْجَمَاعَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمَّا جَازَتِ النِّيَابَةُ فِي رَكْعَتِي الطَّوَافِ إِجْمَاعًا جَازَتْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ قِيَاسًا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَمَّا صَحَّتِ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ، وَصَحَّتْ فِي الزَّكَاةِ مَعَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ لَمْ تَخْرُجِ النِّيَابَةُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ النِّيَابَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِحَالٍ مع قدرة ولا عجز؛ لقول الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ النِّيَابَةَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِحَالٍ مَعَ قُدْرَةٍ وَلَا عَجْزٍ؛ لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثلاثٍ حَجٍّ بقضاءٍ، أَوْ دينٍ يُؤَدَّى، أَوْ صدقةٍ جاريةٍ "

<<  <  ج: ص:  >  >>