للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِيمَانَ شَرْطٌ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَةِ فَإِيمَانُهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِيمَانُ فِعْلٍ.

وَالثَّانِي: إِيمَانُ حُكْمٍ، فَأَمَّا إِيمَانُ الْفِعْلِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ بَالَغٍ عَاقِلٍ، تُؤْخَذُ عَلَيْهِ شُرُوطُ الْإِيمَانِ قَطْعًا، وَشُرُوطُهُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَيُقِرُّ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَيَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، فَأَمَّا إِقْرَارُهُ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ يَقِفُ إِيمَانُهُ عَلَى إِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا بَرَاءَتُهُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ كَالشَّهَادَتَيْنِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَالْبَعْثِ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ قومٍ يُنْكِرُونَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَانَ إِقْرَارُهُ بِنُبُوَّتِهِ يُغْنِي عَنْ بَرَاءَتِهِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، وَيَكُونُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيهِ مُسْتَحَبًّا، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى قَوْمِهِ مِنَ الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَيَهُودِ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: هُوَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْأُمِّيِّينَ مِنَ الْعَرَبِ دُونَنَا، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ مَبْعُوثًا إِلَيْنَا مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ فَتَكُونُ الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا صَحَّ مَا يَكُونُ شَرْطًا فِي إِيمَانِهِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسَانِ تَلَفَّظَ بِهِ نُطْقًا وَلَا نَقْتَنِعُ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ مَعَ سَلَامَةِ لِسَانِهِ وَفَهْمِ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيَّ اللِّسَانِ نُظِرَ، فَإِنْ حَضَرَ مَنْ يَفْهَمُ لِسَانَهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالنُّطْقِ دُونَ الْإِشَارَةِ كَالْعَرَبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَنْ يَفْهَمُ لِسَانَهُ دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى أَنْ تُؤْخَذَ عَلَيْهِ شُرُوطُ الْإِسْلَامِ، بِالْإِشَارَةِ دُونَ النُّطْقِ كَالْأَخْرَسِ، وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَبْدٍ أَعْجَمِيٍّ جَلِيبٍ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَفَيُجْزِئُ هَذَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ رَبُّكَ، فَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ، أَيْ: رَبُّ السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: مَنْ نَبِيُّكُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اعتقه فإنه مؤمنٌ ".

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَيُجْزِئُ فِيهِ الصَّغِيرُ إِذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا إِيمَانُ الْحُكْمِ، فَمُعْتَبَرٌ فِيمَنْ لَا يُحْكُمُ بِقَوْلِهِ فِي صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ، فَيَكُونُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَحْدَهَا، وَإِنْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>