للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعِهِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إِجْزَائِهِ لِمَنْعِهِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ وَسَائِرُ الْكَلَامِ مَعَهُ فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ، وَكَذَلِكَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ إِذَا عَجَّلَ عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَتِ الصفة معلقة بالزمان، كقوله: إذا هل شَهْرُ كَذَا فَأَنْتَ حرٌّ كَانَتِ الصِّفَةُ مُعَلَّقَةً بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حرٌّ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ، إِلْحَاقًا لَهُ بِالْمُدَبَّرِ، كَمَا أَنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ كَالْمُدَبَّرِ، وَلَكِنْ لَوْ نَوَى فِيهِ أَنْ يَصِيرَ بِمَجِيءِ الصِّفَةِ حُرًّا عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعْتَقًا بِسَبَبَيْنِ، وَتَعْجِيلُ عِتْقِهِ قَبْلَ الصِّفَةِ يَجْعَلُهُ مُعْتَقًا بِسَبَبٍ واحدٍ، فَأَمَّا عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ فَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْكَفَّارَةِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْمَنْعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّحْرِيمُ بَيْعُهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: استحقاقٌ عِتْقِهَا بِالْوِلَادَةِ يَجْعَلُهَا مُعْتَقَةً بِسَبَبَيْنِ وَأَمَّا عِتْقُ الْمَكَاتَبِ قَبْلَ عَجْزِهِ فَلَا يُجْزِئُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ نُجُومِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ. فَأَمَّا إِنْ عَجَزَ عَنِ الْأَدَاءِ فَأَعْتَقَهُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ إِلَى الرِّقِّ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ، وَجَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَأَمَّا إِذَا أَعْتَقَ شقصا لَهُ مِنْ عَبْدٍ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ، وَكَانَ مُوسِرًا عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ وَأَجْزَأَهُ مِنْهُ قَدَّرَ حِصَّتِهِ، وَفِي إِجْزَاءِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ فَصَارَ عِتْقًا بِسَبَبَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ عِتْقَهُ تَبَعٌ لِعِتْقِ حِصَّتِهِ، فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهَا فِي الْإِجْزَاءِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ نَوَى عِنْدَ عِتْقِ حِصَّتِهِ عِتْقَ جَمِيعِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ قَصَرَ نِيَّتَهُ عَلَى عِتْقِ حِصَّتِهِ وَحْدَهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَإِذَا أَكْمَلَ عِتْقَ رَقَبَةٍ مِنْ عَبْدَيْنِ أَعْتَقَ مِنْ كُلٍّ واحدٍ نِصْفَهُ، وَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا.

وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ: إنَّهُ إِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْهُمَا مَمْلُوكًا لَمْ يُجْزِهِ، فَأَمَّا إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا مَرْهُونًا أَوْ جَانِيًا، فَإِنْ قِيلَ بِبُطْلَانِ عِتْقِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَقَاوِيلِ فِيهَا لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِ عِتْقِهِمَا أَجْزَأَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ خَتَمَ الْمُزَنِيُّ الْبَابَ بِالِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَنْعِ مِنْ إِجْزَاءِ عِتْقِ الْكَافِرِ بِمَا مَضَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>