للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الَأَيْمَانِ الْمُتَتَابِعِ وَغَيْرِهِ

[(مسألة:)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صومٌ لَيْسَ بمشروطٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ مُتَتَابِعًا أَجَزَأهُ مُتَفَرِّقًا قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَر} والعدة أن يأتي بعدد صومٍ لا ولاءٍ وقال في كتاب الصيام إن صيام كفارة اليمين متتابعٌ والله أعلم (قال المزني) رحمه الله هذا ألزم له لأن الله عز وجل شرط صوم كفارة المتظاهر متتابعاً وهذا صوم كفارةٍ مثله كما احتج الشافعي بشرط الله عز وجل رقبة القتل مؤمنةً (قال المزني) فجعل الشافعي رقبة الظهار مثلها مؤمنةً لأنها كفارةٌ شبيهةٌ بكفارةٍ فكذلك الكفارة عن ذنبٍِ بالكفارة عن ذنبٍ أشبه منها بقضاء رمضان الذي ليس بكفارةٍ عن ذنبٍ فتفهم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ مُتَرَتِّبٌ لَا يُجْزِئُ إِلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَة أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) {المائدة: ٨٩) وَهَلْ يَكُونُ تَتَابُعُ صَوْمِهَا شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، أَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ فِي صِيَامِهَا، فَإِنْ صَامَ مُتَفَرِّقًا لَمِ يُجْزِهِ اسْتِدْلَالًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مسعودٍ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أيامٍ متتابعاتٍ " وَقِرَاءَةِ أُبِيٍّ " فَصِيَامُ ثَلَاثَة أيامٍ متتابعةٍ " وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ تَقُومُ مَقَامَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، لِأَنَّهَا منقولةٌ عَنِ الرَّسُولِ، وَلِأَنَّهُ صَوْمُ تَكْفِيرٍ فِيهِ عِتْقٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّتَابُعُ مِنْ شَرْطِهِ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ أَنَّ مِنْ أَصْلِ الشَّافِعِيِّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى مَا قُيِّدَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا حُمِلَ إِطْلَاقُ الْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ عَلَى مَا قُيِّدَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنَ الْأَيْمَانِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَحْمِلَ إِطْلَاقَ هَذَا الصِّيَامِ عَلَى مَا قُيِّدَ مِنْ تَتَابُعِهِ فِي الْقَتْلِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْحِجَازِيِّينَ أَنَّ التَّتَابُعَ اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَأَنَّ صَوْمَهُ مُتَفَرِّقًا جَائِزٌ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَرَدَ بِهِ الْقِرَانُ مِنْ إِطْلَاقِ صِيَامِهَا فَاقْتَضَى الظاهر إجزاء صيامها في حالتي تتابعهما وتفريقها، ولا يجب

<<  <  ج: ص:  >  >>