للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْرِيرُهُ إنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ الْحَقِيقِيُّ، مَعَ عَدَمِ التَّعْيِينِ، لَمْ يَتَنَاوَلْهُ مَعَ وُجُودِ، التَّعْيِينِ كَالْبَيْتِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ فِي الْأَيْمَانِ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَالْإِبْهَامِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ فَقَالَ: لَا جَلَسْتُ فِي سِرَاجٍ فَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى سِرَاجًا، وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لَا جَلَسْتُ فِي هَذَا السِّرَاجِ إِشَارَةً إِلَى الشَّمْسِ حَنِثَ بِجُلُوسِهِ فِيهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا جَلَسْتُ عَلَى بِسَاطٍ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِسَاطًا، وَلَوْ عَيَّنَ، فَقَالَ لَا جَلَسْتُ عَلَى هَذَا الْبِسَاطِ مُشِيرًا إلى الأرض فجلس عليها حنث فصارت التَّعْيِينِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِسَاطًا مَعَ الْإِبْهَامِ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْعَرْصَةُ دَارًا مَعَ التَّعْيِينِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَارًا مَعَ الْإِبْهَامِ قُلْنَا: لَيْسَ يَفْتَرِقُ التَّعْيِينُ، وَالْإِبْهَامُ فِي حَقَائِقِ الْأَسْمَاءِ، فَإِنَّ اسْمَ السِّرَاجِ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّمْسِ مَجَازًا فِي الْإِبْهَامِ، وَالتَّعْيِينِ، وَاسْمُ الْبِسَاطِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَرْضِ مَجَازًا فِي الْإِبْهَامِ، وَالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا جعل التعيين مقصوداً والاسم مستعاراً، فإن أُبْهِمَ الِاسْمُ اعْتُبِرَ فِيهِ الْحَقِيقَةُ، دُونَ الْمَجَازِ الْمُسْتَعَارِ وَالتَّعْيِينِ فِي الدَّارِ تَوَجَّهَ إِلَى شَيْئَيْنِ جَمْعَهُمَا حَقِيقَةُ الِاسْمِ وَهِيَ الْعَرْصَةُ وَالْبِنَاءُ، فَإِذَا ذَهَبَ الْبِنَاءُ زَالَ شَطْرُ الْعَيْنِ، فَارْتَفَعَ حَقِيقَةُ الِاسْمِ وَلِأَنَّ الْإِبْهَامَ إِذَا حَلَفَ لَا دَخَلْتُ دارٍ، وَلَا يَحْنَثُ فِي التَّعْيِينِ، إِلَّا بِدُخُولِ تِلْكَ الدَّارِ فَلَمَّا ارْتَفَعَ بِالْهَدْمِ حُكْمُ الْأَعَمِّ، كَانَ أَوْلَى أَنْ يَرْتَفِعَ بِهِ حُكْمُ الْأَخَصِّ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ بِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ ينطلق عليها بعد انهدامها هو أَنَّ الِاسْمَ يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْهَدْمِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ:

إِمَّا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَالْمَجَازِ، وَالْأَيْمَانُ تُرَاعَى فِيهَا حَقَائِقُ الْأَسْمَاءِ دُونَ مَجَازِهَا، وَإِمَّا لِأَنَّهَا كَانَتْ دَارًا فَاسْتُصْحِبَ اسْمُهَا اتِّسَاعًا، وَالْأَسْمَاءُ فِي الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرَةٌ، بِالْحَالِ دُونَ مَا سَلَفَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمْتُ عَبْدًا فَكَلَّمَهُ مُعْتِقًا، ثُمَّ يُقَالُ لِأَبِي حَنِيفَةَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ، وَالتَّعْيِينُ يَفْسَدُ بِالْإِطْلَاقِ فِي الْإِبْهَامِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِدُخُولِهِ إِلَى صَحْنِهَا مِنْ هَدْمٍ فِي سُورِهَا، فَسَنَشْرَحُ مِنْ مَذْهَبِنَا فِيهِ مَا يَكُونُ انْفِصَالًا عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ يَخْلُو حَالُ مَا انْهَدَمَ مِنْهَا، وَبَقِيَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ سُكْنَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَيَحْنَثَ بِدُخُولِهِ مِنَ الْمُسْتَهْدَمِ وَالْعَامِرِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُمْنَعَ بِالْهَدْمِ مِنْ سُكْنَى الْبَاقِي، وَسُكْنَى الْمُسْتَهْدَمِ، فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا بَقِيَ، وَلَا بِدُخُولِ مَا انْهَدَمَ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَمْنَعَ الْهَدْمُ مِنْ سُكْنَى مَا اسْتُهْدِمَ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ سُكْنَى مَا بَقِيَ عَلَى عِمَارَتِهِ، وَلَمْ يُسْتَهْدَمْ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْمُسْتَهْدَمِ مِنْهَا، وَيَحْنَثُ بدخول الباقي

<<  <  ج: ص:  >  >>