للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَيْنِهِ، فَإِنْ تَسَوَّرَ عَلَيْهَا مِنْ جِدَارِهَا، أَوْ دَخَلَ مِنْ ثُقْبٍ فِي حَائِطِهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ بَابِهَا الْمَوْجُودِ لَهَا وَقْتَ يَمِينِهِ حَنِثَ، وَإِنِ اسْتُحْدِثَ لَهَا بَابٌ غَيْرُهُ فَدَخَلَ مِنْهُ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عَلَى بَابٍ مَوْجُودٍ، فَكَانَ شَرْطًا فِي الْحِنْثِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ " لَا دَخَلْتُ دَارَ زَيْدٍ " فَبَاعَهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُهُمَا وَبِهِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَادِثَ بَابٌ لَهَا فَصَارَ دَاخِلًا مِنْ بَابِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ " لَا دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي لِزَيْدٍ " فَبَاعَهَا زَيْدٌ، حَنِثَ بِدُخُولِهَا، فَيَكُونُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ مَحْمُولًا عَلَى تعيين الباب دون إبهامه.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ رداءٌ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا أَوِ ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ حَلَفَ لا يلبس سراويل فَائْتَزَرِ بِهِ أَوْ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ لبسٌ يَحْنَثُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نيةٌ فَلَا يَحْنَثُ إِلَّا عَلَى نِيَّتِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَطَ فِيهَا كَلَامُ أَصْحَابِنَا، حَتَّى خَبَطُوا خَبْطَ عَشْوَاء، وَسَنَذْكُرُ مَا يَسره اللَّهُ تَعَالَى، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ بِالصَّوَابِ مَقْرُونًا، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، وَهُوَ عَلَى صِفَةٍ، فَلَبِسَهُ وَهُوَ عَلَى خِلَافِهَا، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا هُوَ رِدَاءٌ فَائتَزَرَ بِهِ، أَوْ قَطَعَهُ قَمِيصًا، أَوْ حَلَفَ لَا يلبس قميصاً، فارتدى به، أو قطعه سراويل أو حلف لا يلبس سراويل، فَاتَّزَرَ بِهِ، أَوْ حَوَّلَهُ مِنْدِيلًا، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ طَيْلَسَانًا، فَتَعَمَّمَ بِهِ، أَوْ قَطَعَهُ مَلْبُوسًا، فَلَا يَخْلُو حَالُ يَمِينِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَهَا عَلَى عَيْنِ الثَّوْبِ، وَيُلْغِيَ صِفَتَهُ، وَصِفَةَ لُبْسِهِ، فَهَذَا يَحْنَثُ عَلَى أَيِّ حَالٍ لَبِسَهُ، وَعَلَى أَيِّ صفةٍ لَبِسَهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَحْوَالِهِ، وَأَوْصَافِهِ اعْتِبَارًا، بِعَقْدِ الْيَمِينِ عَلَى عَيْنِهِ، دُونَ صِفَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَ يَمِينَهُ عَلَى صِفَةِ الثَّوْبِ وَصِفَةِ لُبْسِهِ فَيَحْنَثُ بِلُبْسِهِ إِذَا كَانَ عَلَى حَالِهِ، وَعَلَى الصِّفَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي لُبْسِهِ، وَلَا يَحْنَثُ إِنْ جَعَلَ الْإِزَارَ قَمِيصًا، أَوِ اتَّزَرَ بِهِ، وَلَا إِنْ جَعَلَ القميص سراويل، أو ارتدى به ولا أن جعل السراويل منديلاً، أو اتزر بِهِ، حَتَّى يَجْمَعَ فِي لُبْسِهِ بَيْنَ بَقَائِهِ عَلَى صِفَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي لُبْسِهِ، اعْتِبَارًا بِمَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَيْهِ، مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ أَيْضًا عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي اخْتَلَطَ فِيهِ الْكَلَامُ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْجَوَابُ وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَيَقُولُ: لَا لَبِسْتُ هَذَا الثَّوْبَ، أو هذا القميص، أو هذا السراويل،

<<  <  ج: ص:  >  >>