للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِخُصُوصِهِ وَمَنْ حَكَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ غَيْرَ هَذَا حَرَّفَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ شَرْحَهُ دَالٌّ عَلَى ما ذكرنا.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَ رجلٍ مَنَّ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ لَهُ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا لَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا أَنْ يَلْبَسَ الَّذِي حلف عليه بعينه وإنما أنظر إلى مخرج اليمين ثم أحنث صاحبها أو أبره وذلك أن الأسباب متقدمةٌ والأيمان بعدها محدثةٌ قد يخرج على مثالها وعلى خلافها فأحنثه على مخرج يمينه أرأيت رجلاً لو كان قال وهبت له مالي فحلف ليضربنه أما يحنث إن لم يضربه؟ وليس يشبه سبب ما قال؟ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْأَيْمَانِ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا ابْتَدَأَ الْحَالِفُ عَقْدَ يَمِينِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا سَبَبٌ يَدْعُو إليه، فيقول مبتدأ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ كَلَامِهِ، أَوْ يَقُولُ: لَا أَكَلْتُ طَعَامَهُ. فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ أَكْلِ طَعَامِهِ، أَوْ لَا لَبِسْتُ لَهُ ثَوْبًا، فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ لُبْسِ ثِيَابِهِ، أَوْ لَا رَكِبْتُ لَهُ دَابَّةً، فَلَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ رُكُوبِ دَوَابِّهِ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَمْ يُخَالِفْنَا مَالِكٌ فِي شَيْءٍ. وَتَكُونُ الْيَمِينُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الِاسْمُ مِنْ خُصُوصٍ وَعُمُومٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَتَقَدَّمَ الْيَمِينَ أَسْبَابٌ دَعَتْ إِلَيْهَا مِثْلَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِإِحْسَانٍ أوصله إِلَيْهِ، أَوْ بِمَالٍ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، فَبَعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الْيَمِينِ فَيَقُولُ وَاللَّهِ لَا لَبِسْتُ لَكَ ثَوْبًا، وَلَا شَرِبْتُ لَكَ مَاءً مِنْ عَطَشٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا هَلْ تَكُونُ الْيَمِينُ مَحْمُولَةً عَلَى السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ مَقْصُورَةً عَلَى الْعَقْدِ الْمُتَأَخِّرِ، فذهب الشافعي وأبو حنيفة إِلَى أَنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ لَفْظُ الْحَالِفِ فِي عُقُودِهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ سَبَبِهَا، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ بِرُكُوبِ دَوَابِّهِ، وَلَا بِأَكْلِ طَعَامِهِ. وَلَا بِدُخُولِ دَارِهِ. وَإِذَا حَلَفَ لَا شربت لك من عطش لم يحنث ليشرب غير الماء من الشراب ولا يلبس الثِّيَابِ وَلَا بِرُكُوبِ الدَّوَابِّ وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: إِنَّ يَمِينَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّبَبِ الدَّاعِي إِلَيْهَا، فَإِذَا كَانَ سَبَبُهَا الْمِنَّةَ عَامَّةً، حَنِثَ بِكُلِّ نَفْعٍ عَادَ إِلَيْهِ. فَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ لَهُ ثَوْبًا حَنِثَ بِأَكْلِ طَعَامِهِ، وَرُكُوبِ دَوَابِّهِ، وَسُكْنِ دَارِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا شَرِبْتُ لَكَ مَاءً مِنْ عَطَشٍ حَنِثَ بِكُلِّ أَقْوَالِهِ وَحَنِثَ إِنِ اسْتَظَلَّ بِجِدَارِ دَارِهِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ السَّبَبِ. وَإِلْغَاءِ الْخُصُوصِ فِي الْيَمِينِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْأَيْمَانِ تَخْصِيصُ عُمُومِهَا بِالْعُرْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا بَعْضُ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الِاسْمُ جَازَ أَنْ يَتَجَاوَزَ خُصُوصُهَا بِالْعُرْفِ إِلَى غَيْرِ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ الاسم.

<<  <  ج: ص:  >  >>