للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا فَدَخَلَهَا مُخْتَارًا ذَاكِرًا حَنِثَ بِدُخُولِهَا مَاشِيًا كَانَ أَوْ رَاكِبًا لِأَنَّهُ دَخَلَ إِلَيْهَا حَقِيقَةً، وَلَوْ دَخَلَهَا نَاسِيًا كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ نَذْكُرُهُمَا مِنْ بَعْدُ، وَلَوْ حُمِلَ فَأُدْخِلَ إِلَيْهَا مَحْمُولًا فَلَا يَخْلُو فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَ قد أمر بحمله فعل الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ عَنْ أَمْرِهِ فَأَشْبَهَ دُخُولَهُ إِلَيْهَا رَاكِبًا.

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَلَفَ لو بَاعَ، وَلَا ضَرَبَ فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالضَّرْبِ وَالْبَيْعِ لَمْ يَحْنَثْ. فَهَلَّا كَانَتْ فِي الْأَمْرِ بِالدُّخُولِ كَذَلِكَ.

قِيلَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرِهِ فَالْفِعْلُ مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَكَانَ مِثَالُهُ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالدُّخُولِ فَلَا يَحْنَثُ. فَهَذَا إِذَا دَخَلَ الدَّارَ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ أُدْخِلَ عَقِيبَ الْأَمْرِ أَوْ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي، لِإِضَافَتِهِ إِلَى أَمْرِهِ فِي الْحَالَيْنِ، فَأَمَّا إِذَا حُمِلَ وَأُدْخِلَ الدَّارَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ، اسْتَصْعَبَ أَوْ تَرَاخَى، وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِ اسْتَصْعَبَ عَلَى الْحَامِلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ تَرَاخَى حَنِثَ لِأَنَّهُ مَعَ الِاسْتِصْعَابِ كَارِهٌ وَمَعَ التَّرَاخِي مُخْتَارٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ فَاعِلٍ وَلَا آمِرٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ لَاسْتَوَى حُكْمُهُ فِي حَالَتَيِ الِاسْتِصْعَابِ وَالتَّرَاخِي، لِأَنَّ يَمِينَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَالْكَرَاهِيَةِ، فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " تَرَاخَى أَوْ لَمْ يَتَرَاخَ " فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَالِكٍ فِي سُقُوطِ الْحِنْثِ مَعَ الِاسْتِصْعَابِ وَالتَّرَاخِي، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَمْرِ فِي وُقُوعِ الْحِنْثِ عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِذَا حُمِلَ نُظِرَ فَإِنْ بَادَرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ عَقِبَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ فَهُوَ عَلَى بِرِّهِ وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ. فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ مِنْ قَبْلُ هَلْ يَكُونُ اسْتِدَامَةُ الدُّخُولِ جَارِيًا مَجْرَى ابْتِدَائِهِ أَمْ لَا؟

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ فَكَانَ أَوْلَاهُمَا بِمَذْهَبِهِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ شَهْرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ إِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنْ قَيَّدَهَا نُطْقًا فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ دُخُولِهَا شَهْرًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَلَوْ نَوَى مَعَ إِطْلَاقِ يَمِينِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا شَهْرًا لَمْ تَخْلُ الْيَمِينُ مِنْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَهِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْإِيلَاءِ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نِيَّتِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِاخْتِصَاصِهَا بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ فَكَانَتْ مَوْكُولَةً إِلَى دِيَانَتِهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبِاللَّهِ فِي الْإِيلَاءِ مِنَ الزَّوْجَةِ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>