للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يعتبر حكم عرفه أو يعتبر ما تَسْتَنْكِرُهُ النُّفُوسُ مِنْ فِعْلِهِ، عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ حُكْمُ عُرْفِهِ، لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِهِ، فَعَلَى هَذَا فِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْتَبَرُ مَا لَا تَسْتَنْكِرُهُ النُّفُوسُ مِنْ فِعْلِهِ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا، والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ فِعْلَيْنِ أَوْ لَا يَكُونُ أَمْرَانِ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَى يَكُونَا جَمِيعًا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عَقْدُ الْيَمِينِ عَلَى فِعْلَيْنِ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْقِدَ عَلَى إِثْبَاتِهِمَا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَ عَلَى نَفْيِهِمَا.

فَإِنْ كَانَتْ مَعْقُودَةً عَلَى إِثْبَاتِهِمَا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ، وَلَأَلْبَسَنَّ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، وَلِأَرْكَبَنَّ هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ إِلَّا بِفِعْلِهِمَا فَيَأْكُلُ الرَّغِيفَيْنِ، وَيَلْبَسُ الثَّوْبَيْنِ وَيَرْكَبُ الدَّابَّتَيْنِ فَإِنْ أكل إحدى الرَّغِيفَيْنِ وَلَبِسَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَرَكِبَ إِحْدَى الدَّابَّتَيْنِ لَمْ يَبَرَّ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْيَمِينُ مَعْقُودَةً عَلَى نَفْيٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ، وَلَا لَبِسْتُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ، وَلَا رَكِبْتُ هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِهِمَا، كَمَا لَا يَبَرُّ إِلَّا بِهِمَا، فَإِنْ أَكَلَ أَحَدَ الرَّغِيفَيْنِ، وَلَبِسَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ، وَرَكِبَ إِحْدَى الدَّابَّتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ إِلَّا بِهِمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ الْإِثْبَاتَ إِبَاحَةٌ، وَالنَّفْيَ حظرٌ، وَالْحَظْرَ أَغْلَبُ مِنَ الْإِبَاحَةِ.

وَالثَّانِي: إنَّ الْأَيْمَانَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَالتَّغْلِيظُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَحْنَثَ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ أَنْ لَا يَبَرَّ إِلَّا بِهِمَا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ فِعْلَ بَعْضِ الشَّيْءِ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِ جَمِيعِهِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَعًا وِفَاقًا وَشَرْعًا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ أَوْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ أَوْ إِحْدَى رِجْلَيْهِ لَمْ يَبَرَّ وَهَذَا وِفَاقٌ قَدْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، قَدِ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَسَاجِدِهِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ مِنْهُ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا لِتَغْسِلَهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ في اعتكافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>