للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، إنَّ الْإِكْرَاهَ مُعْتَبَرٌ فِي فِعْلِ الْحَالِفِ وَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ قَوْلًا وَاحِدًا، فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُفَارِقَ لِلْغَرِيمِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّ يَمِينَهُ مَعْقُودَةٌ عَلَى فِعْلِ غَرِيمِهِ، لَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَهَذَا الْفِرَاقُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمَنْسُوبٍ إِلَى الْغَرِيمِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حِنْثٌ.

وَأَمَّا القسم الثالث: وهو أن يعقد بيمينه عَلَى فِعْلِهِ، وَفِعْلِ غَرِيمِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا افْتَرَقْنَا أَنَا وَأَنْتَ، أَوْ وَاللَّهِ لا فارق واحدٌ منها صَاحِبَهُ، حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ، فَالْحِنْثُ هَاهُنَا وَاقِعٌ بِفِرَاقِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِهِمَا، فَإِنْ فَارَقَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ إِنْ كَانَ ذَاكِرًا مُخْتَارًا، وَفِي حِنْثِهِ إِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا قَوْلَانِ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْغَرِيمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ذَاكِرًا، مُخْتَارًا حَنِثَ الْحَالِفُ، وَإِنْ فَارَقَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، فَفِي حِنْثِ الْحَالِفِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ خِلَافِ الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَتْ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ، فَإِنْ كَلَّمَهُ الْحَالِفُ، حَنِثَ لِعَقْدِ الْيَمِينِ عَلَى كَلَامِ الْحَالِفِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لم يحنث ولو قال: والله لا كلمتن فَكَلَّمَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ لِعَقْدِ الْيَمِينِ عَلَى كَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا تُكَلِّمُنَا أَوْ لَا كَلَّمَ واحدٌ مِنَّا صَاحِبَهُ، فَأَيُّهُمَا كَلَّمَ الْآخَرَ حَنِثَ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى كَلَامِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: " وَلَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُهُ غَرِيمُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَأَفْلَسَ الْغَرِيمُ فَفَارَقَهُ لِأَجْلِ الْفَلَسِ الْمُوجِبِ لِإِطْلَاقِهِ لَا لِخَدِيعَةٍ، فَلَا يَخْلُو حَالُ فِرَاقِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمٍ أَوْ بِغَيْرِ حُكْمٍ، فَإِنْ فَارَقَهُ بِنَفْسِهِ لِمَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ حَنِثَ، لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إِذَا خَالَفَتْ عَقْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْحِنْثِ كَمَنْ غَصَبَ مَالًا، وصف لَا رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ حَنِثَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ رَدُّهُ بِالشَّرْعِ وَاجِبًا، لِأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ مُخْتَارًا، وَهَكَذَا لَوْ دَخَلَ دَارَ غَيْرِهِ وَحَلَفَ لَا خَرَجَ مِنْهَا حَنِثَ بِخُرُوجِهِ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ، فَأَمَّا إِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِمُفَارَقَتِهِ لَمَّا حَكَمَ بِهِ مِنْ فَلَسِهِ، فَهُوَ فِي هَذَا الْفِرَاقِ مُكْرَهٌ غَيْرُ مُخْتَارٍ، لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى إِجْبَارِ الْحَاكِمِ، فَيَكُونُ فِي حِنْثِهِ قولان من حنث المكره.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " أَوِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ فِيمَا يَرَى فَوَجَدَ فِي دَنَانِيرِهِ زُجَاجًا أَوْ نُحَاسًا حَنِثَ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَطْرَحُ الْغَلَبَةَ وَالْخَطَأَ عَنِ النَّاسِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْمَدْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ فِي الظَّاهِرِ ثُمَّ وَجَدَ فِيهِ بَعْدَ فِرَاقِهِ نُحَاسًا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>