للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِقَضَاءِ ذَلِكَ أَمْرًا لَازِمًا مِنْ أَجْلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ "

وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ " فَصَرَفَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ مِنْ أَجْلِ هَذَا، وَأَنْ يَكُونَ اشْتِغَالُهُ بِالْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنَ النَّفْلِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ إِقَامَةِ الْفَرْضِ، فَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: فِي قَضَاءِ الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تُقْضَى

وَوَجْهُهُ: أَنَّهَا صَلَاةُ نَافِلَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا كَالْكُسُوفِ، وَالْخُسُوفِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا تُفْعَلُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْوَقْتِ، أَوْ لِتَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ أَوْ تَبَعًا لِفِعْلِ فَرِيضَةٍ، وَالْوِتْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ لَمْ يَتَعَلَّقَا بِالْوَقْتِ، وَلِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا قَدْ فَاتَا وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِالذِّمَّةِ، لِأَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَلَيْسَ يُفْعَلَانِ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ، لِأَنَّ مَتْبُوعَهَا قَدْ سَقَطَ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لَا يُفْعَلَانِ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تُقْضَى وَهُوَ الصَّحِيحُ

وَوَجْهُهُ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا " وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَهَا وَقْتٌ رَاتِبٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَسْقُطَ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا كَالْفَرَائِضِ فَعَلَى هَذَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَإِذَا أَكْمَلَ فَرْضَهُ رَكَعَهُمَا

وَقَالَ أبو حنيفة: يَرْكَعْهُمَا قَبْلَ فَرْضِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ " فَأَمَّا إِذَا قِيلَ لَا يَقْضِي فَهَلْ يَسْقُطُ فِعْلُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى أَوْ بِدُخُولِ وَقْتِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَعَلَى هَذَا تَسْقُطُ صَلَاةُ الْوِتْرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ

وَالثَّانِي: بِفِعْلِ الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي الْوِتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِذَا صَلَّاهَا سَقَطَ فِعْلُ الْوِتْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَإِذَا صَلَّاهَا سَقَطَ فِعْلُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى " وَفِي ذَلِكَ دلالتان: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّوَافِلَ مَثْنَى مَثْنَى بِسَلَامٍ مَقْطُوعَةٍ والمكتوبة موصولة والأخرى أن الوتر واحدة فيصلي النافلة مثنى مثنى قائماً وقاعداً إذا كان

<<  <  ج: ص:  >  >>