للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْيَمِينِ بِلَفْظِ الْغَايَةِ يُوجِبُ اسْتِوَاءَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِي سُقُوطِ التَّكْرَارِ، وَكَانَ عَقْدُهَا بِقَوْلِهِ: " كُلَّمَا " يُوجِبُ اسْتِوَاءَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِي وُجُوبِ التَّكْرَارِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَقْدُهَا بِمَا اخْتَلَفَا فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا بِإِذْنِي، مُلْحَقًا بِأَحَدِهِمَا فِي اسْتِوَاءِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِي وُجُوبِ التَّكْرَارِ وَسُقُوطِهِ، فَلَمَّا سَقَطَ التَّكْرَارُ فِي الْحِنْثِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ التَّكْرَارُ فِي الْبِرِّ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: إنَّ كُلَّ يَمِينٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَنْعٍ وَتَمْكِينٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ فِيهَا مُقَابِلًا لِلْحِنْثِ فِي وُجُوبِ التَّكْرَارِ وَسُقُوطِهِ كَالْمَعْقُودِ بِلَفْظِ الْغَايَةِ فِي سُقُوطِ التَّكْرَارِ، وَكَالْمَعْقُودَةِ بِ " كُلَّمَا " فِي وُجُوبِ التَّكْرَارِ.

وَالثَّانِي: إنَّ الْبِرَّ وَالْحِنْثَ فِي الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرَانِ بِالْعَقْدِ، فَإِنْ أَوْجَبَ تَكْرَارَ الْمَنْعِ وَالتَّمْكِينِ أَوْجَبَ تَكْرَارَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ تَكْرَارَهُمَا لَمْ يَتَكَرَّرِ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ. وَلَفْظُ التَّكْرَارِ مَعْدُومٌ فِي قَوْلِهِ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا بِإِذْنِي، فَانْعَقَدَ عَلَى مَرَّةٍ، وَمَوْجُودٌ فِي قَوْلِهِ: كُلَّمَا خَرَجْتِ بِغَيْرِ إِذْنِي، فَانْعَقَدَ عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ.

أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ خَرَجْتِ بِإِذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ، انْعَقَدَتْ عَلَى مَرَّةٍ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْتِ بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، انْعَقَدَتْ عَلَى مَرَّةٍ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْتِ بِإِذْنِي انْعَقَدَتْ عَلَى التَّكْرَارِ وَمَا انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ سَوَاءٌ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِي التَّكْرَارِ وَالِانْفِرَادِ، لِأَنَّ عَقْدَهَا إِنْ قَابَلَتْ مُقْتَضَاهَا كَانَ حُكْمُهَا مَقْصُورًا عَلَيْهِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: إنَّ مَا انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ قِيَاسًا عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْإِذْنِ، تَسْوِيَةً بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا رَاكِبَةً، فَهُوَ إنَّ هَذَا تَعْلِيقُ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ، وَهِيَ خُرُوجُهَا مَاشِيَةً، فَوَقَعَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَلَيْسَتْ يَمِينًا تُوجِبُ مَنْعًا، وَتَمْكِينًا، فَافْتَرَقَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اجْتِمَاعِهِمْ بِامْتِدَادِ الْبِرِّ فِي الْمَقَامِ إِلَى الْمَوْتِ، وَتَوْقِيتِ الْحِنْثِ بِالْخُرُوجِ، فَهُوَ أَنَّ الْمَقَامَ فِي مَنْزِلِهَا تَرْكٌ مُطْلَقٌ، فَحُمِلَ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي الْبِرِّ، وَالْخُرُوجُ فِعْلٌ مُقَيَّدٌ بِوَقْتِهِ، فَتُقَدِّرُ بِهِ الْبِرَّ وَالْحِنْثَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ فِيهِ مُسَاوِيًا لِلْحِنْثِ.

(فَصْلٌ:)

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إِذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَخُرُوجُهَا إِلَى الْحَمَّامِ مُسْتَثْنًى مِنْ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ، فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى خُرُوجِهَا إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ. فَإِنْ خَرَجَتْ إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَنِثَ وَسَقَطَتِ الْيَمِينُ فَإِنْ خَرَجَتْ إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ بَرَّ، وَانْحَلَّتِ الْيَمِينُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>