للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا آلَمَ جِسْمَهُ مِنْ فِعْلٍ كَالْعَضِّ وَالْخَنْقِ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا آلَمَ قَلْبَهُ مِنْ قَوْلٍ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمَا آلَمَ قَلْبَهُ مِنْ قَوْلٍ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا آلَمَ جِسْمَهُ إِلَّا مَا انْطَلَقَ اسْمُ الضَّرْبِ عَلَيْهِ، فَلَا يَحْنَثُ بِخَنْقِهِ وَعَضِّهِ، لِانْتِفَاءِ اسْمِ الضَّرْبِ عَنْهُ، وَيَحْنَثُ بِمَا وَصَلَ إِلَى جِسْمِهِ مِنْ آلَةٍ بِيَدِهِ.

وَفِي حِنْثِهِ إِنْ لَكَمَهُ أَوْ لَطَمَهُ أَوْ رَفَسَهُ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: قَدْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْمَاءُ الضَّرْبِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الضَّرْبِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا كَانَ بِآلَةٍ مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حرٌّ إِنْ بِعْتُكَ فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بِبَيْعِ خيارٍ فَهُوَ حرٌّ حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْتُهُ مِنْ قِبَلِ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ وَتَفَرُّقُهُمَا بِالْأَبْدَانِ فَقَالَ فَكَانَ لَوْ أَعْتَقَهُ عُتِقَ فَيُعْتَقُ بِالْحِنْثِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ يَخْلُو مَعَ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ لَهُ: إِنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَيُعْتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، بَعْدَ تَمَامِهِ بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ، وَهَذَا مِمَّا وَافَقَ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ مِنْ إِبْرَامِ الْعَقْدِ، وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْبَائِعِ فِيهِ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَنَفَذَ عِتْقُهُ فِيهِ بِالْحِنْثِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ إِثْبَاتَ خِيَارٍ وَلَا إِسْقَاطَهُ فيعتق عليه عند الشافعي؛ لأنه يثبت للمتابيعين خِيَارُ الْمَجْلِسِ، مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ بِأَبْدَانِهِمَا بِالْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِيهِ.

وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ عِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ، وَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا نَاجِزًا، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُمَا.

وَإِذَا عُتِقَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَطَلَ الْبَيْعُ، لِنُفُوذِ عِتْقِهِ عَلَى الْبَائِعِ، فَصَارَ نُفُوذُ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ نَسْخًا يُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبِيعَهُ بِشَرْطِ إِسْقَاطِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في صحة البيع واشرط عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطَ لَازِمٌ يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، لِأَنَّ الخيار

<<  <  ج: ص:  >  >>