للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَرَرٌ، فَكَانَ إِسْقَاطُهُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَسَمَّاهُ بَيْعَ الْخِيَارِ لِمَا شُرِطَ فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ " عَلَى هَذَا الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ، وَحَمَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ " فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بَيْعَ خِيَارٍ " عَلَى هَذَا الْبَيْعِ، لِأَنَّ فَحْوَى كَلَامِهِ يَقْتَضِي إِذَا كَانَ بَيْعَ خِيَارٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْبَيْعُ مَاضِيًا وَالْخِيَارُ مُرْتَفِعًا، وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ لِسُقُوطِ الْخِيَارِ فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ بَاطِلَانِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ مُنَافٍ لِمُوجَبِ الْعَقْدِ، فَأَبْطَلَهُ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَعَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ.

وَيَكُونُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ " مَحْمُولًا عَلَى أَنْ لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ.

وَالثَّالِثُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبُوَيْطِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَمُرَادُهُ بِهِ الرد على مالك وأبي حنيفة في إسقاطها خِيَارَ الْمَجْلِسِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُ بَيْعِ الْخِيَارِ عَلَى مَا لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ، كَمَا تَأَوَّلَهُ الْأَوَّلُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ، وَالْبَيْعَ جَائِزٌ وَلَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ شَرْطُ الْخِيَارِ، لِإِسْقَاطِهِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ، فَجَرَى مَجْرَى إِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا بِالْبَيْعِ، وَصَحَّ الْبَيْعُ مَعَ إِسْقَاطِ الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الثَّمَنِ قِسْطًا، فَعَلَى هَذَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بَعْدَ الصِّحَّةِ بِعِتْقِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ وَهَبْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ عُتِقَ بِالْبَذْلِ وَالْقَبُولِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: يُعْتَقُ بِالْبَذْلِ وَحْدَهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الْبَذْلَ أَوَّلُ الْعَقْدِ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهِ بِالْبَذْلِ، حَتَّى يَتَعَقَّبَهُ الْقَبُولُ، لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْبَذْلِ لَا يَكُونُ عَقْدًا فِيهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنِ اسْتَخْدَمْتُكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَخَدَمَهُ الْعَبْدُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُعْتَقْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَوَافَقَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَخَدَمَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَنْ لَا يَحْنَثَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عَبْدَ غَيْرِهِ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ لِخِدْمَتِهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِاسْتِخْدَامِهِ، وَعَبْدَهُ مَنْدُوبٌ لِخِدْمَتِهِ، فَكَانَ إِمْسَاكُهُ عَنْهُ رِضًا، وَالرِّضَا مِنْهُ اسْتِخْدَامٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ الِاسْتِخْدَامَ هُوَ اسْتِدْعَاءُ الْخِدْمَةِ، فَافْتَقَرَ إِلَى أَمْرٍ.

وَالثَّانِي: إنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْخِدْمَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ كَفَرْقِ مَا بَيْنَ العمل والاستعمال، فلما لم ينطلق على العلم اسْمُ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَنْطَلِقْ عَلَى الْخِدْمَةِ اسْمُ الاستخدام.

<<  <  ج: ص:  >  >>