للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا النَّادِرُ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ أَهْلُ النَّادِرِ كَبَيْضِ النَّعَامِ، يَحْنَثُ بِهِ أَهْلُ الْبَادِيَةِ، وَفِي حِنْثِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُونَ بِهِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْقُرَى يَحْنَثُونَ بِسُكْنَى بُيُوتِ الشَّعْرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُونَ بِهِ، إِذَا قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْقُرَى لَا يَحْنَثُونَ بسكنى بيوت الشعر.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنَثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ لِأَنَّهُ كُلُّهُ لحمٌ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَحْمِ الْحِيتَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَغْلَبِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ لَحْمٍ مِنْ أَهْلِيٍّ كَالنَّعَمِ، وَوَحْشٍ كَالصَّيْدِ وَالطَّائِرِ مِنْ مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِلَحْمِ الْحِيتَانِ، لِأَصْلٍ أُوَضِّحُهُ، يَكُونُ فِي الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرًا، لِيَسْلَمَ مِنَ التَّنَاقُضِ وَهُوَ:

إنَّ الِاسْمَ اللُّغَوِيَّ إِذَا انْطَلَقَ عَلَى أَعْيَانٍ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُطَابِقَهُ الْعُرْفُ فِي جَمِيعِهَا، فَيُحْمَلَ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأَعْيَانِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا طَابَقَهُ مِنَ الْعُرْفِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا.

فَالْعُرْفُ الْعَامُّ أَنْ يَحْلِفَ: لَا آكُلُ رَطْبًا، فَيَحْنَثُ بِجَمِيعِ الْأَرْطَابِ مِنْ لَذِيذٍ وَغَيْرِ لَذِيذٍ، مِنْ مُسْتَطَابٍ وَغَيْرِ مُسْتَطَابٍ، أَوْ يَحْلِفُ: لَا آكُلُ بَقْلًا، فَيَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ لَذِيذٍ وَغَيْرِ لَذِيذٍ.

وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ أَنْ يَحْلِفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، فَيَحْنَثُ كُلُّ غَنِيٍّ وفقير بلبس كل ثوب من مرتفع ودانٍ، فيحنث الملك بلبس الصوف، وإن خرج بدخوله في عرف مِنْ عُرْفِهِ وَدَخَلَ فِي عُرْفِ الْفُقَرَاءِ وَيَحْنَثُ الْفَقِيرُ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ عُرْفِهِ لِأَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي عُرْفِ الْأَغْنِيَاءِ مَعَ اشْتِرَاكِ جَمِيعِهَا فِي اسْمِ الثَّوْبِ، فَلَمْ يَخْرُجْ بَعْضُهَا بِعُرْفٍ خَاصٍّ إِذَا طَابَقَهُ عُرْفٌ خَاصٌّ، وَهَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ كُلُّ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ بِأَكْلِ كُلِّ مَخْبُوزٍ مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَأُرْزٍ وَذُرَةٍ، فَيَحْنَثُ الْغَنِيُّ بِأَكْلِ خُبْزِ الشعير، وإن خرج عن عرفه، لدخول فِي عُرْفِ الْفَقِيرِ، وَيَحْنَثُ الْفَقِيرُ بِخُبْزِ الْبُرِّ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ عُرْفِهِ، لِدُخُولِهِ فِي عُرْفِ الْغَنِيِّ مَعَ اشْتِرَاكِ جَمِيعِهَا فِي اسْمِ الْخُبْزِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ الِاسْمُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْعُرْفِ، فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا خَرَجَ عَنِ الْعُرْفِ لِإِلْحَاقِهِ بِغَيْرِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْوُجُودِ، فَيَصِيرُ فِي الْأَيْمَانِ مَحْمُولًا عَلَى مَا خَصَّهُ الْعُرْفُ دُونَ مَا عَمَّهُ الِاسْمُ، كَالَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِمَّنْ حَلَفَ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>