للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ بَقَاءَ الِاسْمِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ، فَإِنْ قَضَمَهَا حَبًّا حَنِثَ، لِبَقَاءِ اسْمِ الْحِنْطَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ طَحَنَهَا، فَأَكَلَهَا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ، لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ عَنْهَا.

فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ، فَجَرَى عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَصَارَتْ طَرِيقًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، لِزَوَالِ اسْمِ الدَّارِ عَنْهَا بَعْدَ الْهَدْمِ، كَزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ عَنْهَا بَعْدَ الطَّحْنِ.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، فَنَاقَضَ مَذْهَبَهُ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَهُ حَانِثًا بَعْدَ الْهَدْمِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ حَانِثًا فِي الطَّعَامِ بَعْدَ الطَّحْنِ، وَقَدِ اشْتَرَكَا فِي زَوَالِ الِاسْمِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا خُبْزًا وَدَقِيقًا وَسَوِيقًا، كَمَا يَحْنَثُ بِقَضْمِهَا حَبًّا صَحِيحًا، احْتِجَاجًا بِأَنَّ الِاسْمَ مَوْضُوعٌ لِتَعْرِيفِ الْيَمِينِ.

فَإِذَا عُرِفَتْ بِالتَّعْيِينِ سَقَطَ حُكْمُ الِاسْمِ اسْتِشْهَادًا بِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْجَمَلِ، فَذَبَحَهُ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الذَّبْحِ جَمَلًا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ الْمُسْتَفَادَ بِالتَّعْيِينِ هُوَ نَقْلُ الْحُكْمِ مِنْ عُمُومِ الْمُبْهَمِ إِلَى خُصُوصِ الْعَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الِاسْمُ مُعْتَبَرًا فِي الْمُبْهَمِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الْمُعَيَّنِ.

وَالثَّانِي: إنَّ الْعَقْدَ اشْتَمَلَ عَلَى تَسْمِيَةٍ وَتَعْيِينٍ، فَلَمَّا كَانَ بَقَاءُ الْعَيْنِ شَرْطًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الِاسْمِ شَرْطًا.

فَأَمَّا الْجَمَلُ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِنْطَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَكْلُ الْجَمَلِ حَيًّا، وَيُمْكِنُ أَكْلُ الْحِنْطَةِ حَبًّا.

وَالثَّانِي: إنَّ الشَّيْءَ مَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْجَمَلَ حَيًّا، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَكْلِ الْحِنْطَةِ حَبًّا. فَلِهَذَيْنِ مَا افْتَرَقَا فِي بَقَاءِ الِاسْمِ وَزَوَالِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا حَلَفَ لَا أَكَلْتُ مِنْ هَذَا الدَّقِيقِ، فَاسْتَفَّهُ حَنِثَ، وَإِنْ خَبَزَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنِ اسْتَفَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ خَبَزَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ حَنِثَ، فَكَانَ مَذْهَبُهُ فِيهِ عَكْسَ مَذْهَبِنَا، احْتِجَاجًا بِعُرْفِ الدَّقِيقِ، أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا مَخْبُوزًا كَالْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ إِلَّا مَذْبُوحًا، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الْعُرْفِ فِيهِ مَشْرُوطًا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>