للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: إنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَ فِي الْحِنْطَةِ بَقَاءُ الِاسْمِ دُونَ الْعُرْفِ وِفَاقًا، وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ فِي الدَّقِيقِ حِجَاجًا.

وَالثَّانِي: إنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَتْ فِيهِ الصِّفَةُ كَانَ اعْتِبَارُ صِفَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ صِفَةٍ تَحْدُثُ مِنْ بَعْدِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا حَلَفَ لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ، فَصَارَ تَمْرًا، أَوْ لَا آكُلُ هَذَا الْجَدْيَ، فَصَارَ تَيْسًا، أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ، فَصَارَ شَيْخًا، فَفِي الْحِنْثِ بِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يَحْنَثُ، لِانْتِقَالِهِ عَنْ صِفَتِهِ كَالطَّعَامِ إِذَا طُحِنَ وَالدَّقِيقِ إِذَا خُبِزَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْنَثُ، وَفَرَّقَ قَائِلُهُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ طَحْنِ الطَّعَامِ وَخَبْزِ الدَّقِيقَ، بِأَنَّ انْتِقَالَ هَذَا عَنْ حاله حادث من ذَاتِهِ، فَصَارَ بَعْدَ الِانْتِقَالِ مَنْسُوبًا إِلَى أَصْلِهِ.

وَانْتِقَالُ الطَّعَامِ بِالطَّحْنِ وَالدَّقِيقِ بِالْخُبْزِ حَادِثٌ عَنْ صَنْعَةِ فاعلٍ، فَصَارَ بِالِانْتِقَالِ مَنْسُوبًا إِلَى فَاعِلِهِ دُونَ أَصْلِهِ.

وَتَعْلِيلُ هَذَا الْفَرْقِ مَعْلُولٌ بِمَنْ حلف لا يأكله حِنْطَةً، فَصَارَتْ زَرْعًا، وَلَا يَأْكُلُ بَيْضَةً، فَصَارَتْ فَرْخًا، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِوِفَاقٍ وَإِنْ كَانَ انْتِقَالَ ذَاتٍ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ هَذَا الْعَصِيرَ، فَصَارَ خَمْرًا، أَوْ لَا يَشْرَبُ هَذَا الْخَمْرَ، فَصَارَ خَلًّا لَمْ يَحْنَثْ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَنَ بِزَوَالِ الِاسْمِ زَوَالُ الْحُكْمِ، فَزَالَ عَنْ حَالِهِ عُرْفًا وَشَرْعًا، فَانْتَفَى عَنْهُ الْحِنْثُ بِانْتِفَاءِ الِاسْمِ وَالْحُكْمِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْغَزْلَ، فَنَسَجَهُ ثَوْبًا حَنِثَ بِلُبْسِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْغَزْلَ لَمَّا كَانَ لَا يُلْبَسُ إِلَّا مَنْسُوجًا صَارَ مُضْمَرًا فِي الْيَمِينِ، وَالْمُضْمَرُ فِي الْأَيْمَانِ، كَالْمُظْهَرِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْحَيَوَانَ حَنِثَ بِأَكْلِهِ مَذْبُوحًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَكْلِهِ حَيَوَانًا، لِأَنَّهَا صِفَةٌ مُضْمَرَةٌ، فَجَرَى عَلَيْهَا حُكْمُ الْمُظْهَرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشَمُّ الْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ، أَوْ لَا يَشَمُّ الْوَرْدَ، فَشَمَّ دُهْنَ الْوَرْدِ أَوْ شَمَّ مَاءَ الْوَرْدِ لَمْ يَحْنَثْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْنَثُ بِدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ، وَلَا يَحْنَثُ بِدُهْنِ الْوَرْدِ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِعُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ دُهْنَ الْبَنَفْسَجَ بَنَفْسَجًا، وَلَا يُسَمُّونَ دُهْنَ الْوَرْدِ وَرْدًا، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهَا تَسْمِيَةُ مَجَازٍ، فَكَانَ اعْتِبَارُهَا بِالْحَقِيقَةِ أَوْلَى.

وَالثَّانِي: إنَّ اسْمَ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ مُنْطَلِقٌ عَلَى جِسْمٍ وَرَائِحَةٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَلَّقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>