للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ اعْتِبَارًا بِالشَّرْعِ.

وَأَمَّا إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زُبْدًا، فَالزُّبْدُ الْمَعْهُودُ يَكُونُ مِنْ لَبَنِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَيْسَ لِأَلْبَانِ الْإِبِلِ زُبْدٌ، فَيَحْنَثُ بِزُبْدِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.

وَإِنْ كَانَ لِأَلْبَانِ شَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ زُبْدٌ، فَهُوَ نَادِرٌ غَيْرُ مَعْهُودٍ، فَيَحْنَثُ بِهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالِاسْمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ.

وَلَوْ حَلَفَ بِأَكْلِ اللَّبَاءِ، فَهُوَ أَوَّلُ لَبَنٍ يَحْدُثُ بِالْوِلَادَةِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِالْحَمْلِ إِذَا وَافَقَ وَقْتَ الْوِلَادَةِ وَحَلَبَ بَعْدَهَا، وَفِي حِنْثِهِ بِمَا حَلَبَ قَبْلَهَا وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْوِلَادَةِ مِنْ دَمِ النِّفَاسِ، هَلْ يَكُونُ نِفَاسًا عَلَى وَجْهَيْنِ:

إِنْ قِيلَ: يَكُونُ نِفَاسًا، كَانَ هَذَا اللَّبَنُ لِبَاءً وَإِنْ قِيلَ لَا يَكُونُ نِفَاسًا، لَمْ يَكُنْ هَذَا اللَّبَنُ لِبَاءً، وَغَالِبُ اللِّبَاءِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثَلَاثُ حَلَبَاتٍ، وَرُبَّمَا زَادَ وَنَقَصَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْحَيَوَانِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ.

وَصِفَتُهُ مَا خَالَفَ اللَّبَنَ فِي لَوْنِهِ وَقِوَامِهِ، فَإِنَّ لَوْنَ اللِّبَاءِ يَمِيلُ إِلَى الصُّفْرَةِ، وَهُوَ أَثْخَنُ مِنَ اللَّبَنِ، وَهُوَ عِنْدَ الرُّعَاةِ مَعْرُوفٌ.

وَسَوَاءٌ أَكَلَهُ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا، وَإِنْ كَانَ عُرْفُهُ أَنْ يُؤْكَلَ مَطْبُوخًا كَاللَّحْمِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ زُبْدًا، فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ مُفَارِقٌ لِلزُّبْدِ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ.

وَلَوْ أَكَلَ سَمْنًا فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْنَثُ بِهِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الصِّفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا حَنِثَ بِجَمِيعِ مَا تَنَاوَلَهُ اسْمُ اللَّبَنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ حَلِيبٍ وَمَخِيضٍ وَرَائِبٍ، وَذَائِبٍ وَجَامِدٍ.

فَأَمَّا الزُّبْدُ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، كَمَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّبَنِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زُبْدًا. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَحْنَثُ بِالزُّبْدِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّبَنَ، لِأَنَّهُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الزُّبْدَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنَ الزُّبْدِ.

وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ اسْمَ اللَّبَنِ عَامٌّ وَاسْمَ الزُّبْدِ خَاصٌّ، فَدَخَلَ خُصُوصُ الزُّبْدِ فِي عُمُومِ اللَّبَنِ، وَلَمْ يَدْخُلْ عُمُومُ اللَّبَنِ فِي خُصُوصِ الزُّبْدِ، وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، وَلَوْ كَانَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَجْهٌ، لَكَانَ عَكْسُ قَوْلِهِ أَوْلَى، فَيَحْنَثُ بِاللَّبَنِ، إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ زُبْدًا، لِأَنَّ فِي اللَّبَنِ زُبْدًا، وَلَا يَحْنَثُ بِالزُّبْدِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الزُّبْدِ لَبَنٌ، فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>