للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسُّ الزَّوْجَةِ عَلَى وَطْئِهَا وَمُلَامَسَتِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاللَّهِ أَوْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، كَمَنْ أَرَادَ بِالسِّرَاجِ غَيْرَ الْمِصْبَاحِ وَالشَّمْسِ، وَأَرَادَ بِالْبِسَاطِ غَيْرَ الْفَرْشِ وَالْأَرْضِ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا أَرَادَ غَيْرَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ مُقْتَضَى لَفْظِهِ مِنْ صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، كَمَنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ، لِتَجَرُّدِهِ عَنْ نِيَّةٍ كَالطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّةٍ.

فَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ، حُمِلَتْ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الظَّاهِرِ لَا مِنَ الْبَاطِنِ، وَكَانَتْ لَغْوًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَحْمِلُ يَمِينَهُ عَلَى إِرَادَتِهِ وَإِنْ خَرَجَ عَنِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إِذَا اقْتَرَنَ لَهَا ضَرْبٌ مِنَ الِاحْتِمَالِ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: وَاللَّهِ لَا شَرِبْتُ لَكَ مَاءً مِنْ عَطَشٍ: حَنِثَ بِأَكْلِ طَعَامِهِ وَلُبْسِ ثَوْبِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَدُخُولِ دَارِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: وَاللَّهِ لَأَجُرَّنَّكَ عَلَى الشَّوْكِ، حَنِثَ بِمَطْلِهِ وَتَأْخِيرِ دَيْنِهِ اعْتِبَارًا بِمَخْرَجِ الْكَلَامِ وَمَقْصُودِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ صَارَ مُخْتَصًّا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَالنِّيَّةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا يَمِينٌ، كَمَا لَوْ نَوَى يَمِينًا، فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ.

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ تَتَجَرَّدَ يَمِينُهُ عَنْ نِيَّةٍ وَإِرَادَةٍ، فَيُحْمَلُ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ، لِأَنَّ افْتِقَارَ الْمَجَازِ إِلَى النِّيَّةِ يُسْقِطُ حُكْمَهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ نِيَّةٍ مِثْلَ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إِذَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ.

فَإِنِ اخْتَلَفَ الشَّرْعُ وَاللُّغَةُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، كَالنِّكَاحِ هُوَ فِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي العقد، ومجاز في الوطئ، وهو في اللغة حقيقة في الواطئ ومجازاً فِي الْعَقْدِ، كَالصَّلَاةِ هِيَ الشَّرْعُ حَقِيقَةً فِي الدُّعَاءِ فِي ذَاتِهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَمَجَازا فِي الدُّعَاءِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ فِي الدُّعَاءِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ، فَيُحْمَلُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي الشَّرْعِ دُونَ اللُّغَةِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاقِلٌ، فَيُحْمَلُ النِّكَاحُ عَلَى الْعَقْدِ دون الواطئ، وَتُحْمَلُ الصَّلَاةُ عَلَى ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ الدُّعَاءِ.

فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الدَّقِيقَ، فَأَكَلَ الْخُبْزَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ الْبَنَفْسَجَ فَشَمَّ دُهْنَ الْبَنَفْسَجِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حلف لا يشرب عَبْدَهُ، فَعَضَّهُ لَمْ يَحْنَثْ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ، وَحَنَّثَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَمْرَيْنِ اسْتِعْمَالًا لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>