للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسَ، وَلَا تَصَدَّقْتُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، حَنِثَ بِكَلَامِ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، وَبِالصَّدَقَةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْمَسَاكِينِ، اعْتِبَارًا بِأَقَلِّ الْعَدَدِ فِي النَّفْيِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي اعْتِبَارِ أَقَلِّ الْجُمَعِ فِي الْإِثْبَاتِ وَاعْتِبَارِ أَقَلِّ الْعَدَدِ فِي النَّفْيِ أَنَّ نَفْيَ الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ وَإِثْبَاتَ الْجَمِيعِ مُمْتَنِعٌ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالشَّرْعِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَخْصِيصُ اسْمٍ.

وَالثَّانِي: تَخْصِيصُ حُكْمٍ.

فَأَمَّا تَخْصِيصُ الِاسْمِ فَكَالصِّيَامِ، فِي اللُّغَةِ هُوَ: الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالْكَلَامِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ خَصَّهُ الشَّرْعُ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي النَّهَارِ، وَيَكُونُ عُمُومُهُ فِي اللُّغَةِ مَحْمُولًا عَلَى خُصُوصِهِ فِي الشَّرْعِ، فَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الصِّيَامِ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ إِلَّا بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ، وَصَارَ عُمُومُ اللَّفْظِ بِالشَّرْعِ مَخْصُوصًا.

وَكَذَلِكَ الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى كُلِّ جِهَةٍ، وَخَصَّهُ الشَّرْعُ بِقَصْدِ الْبَيْعِ الْحَرَامِ لِأَفْعَالِ الْحَجِّ، فَلَا يَتَعَلَّقُ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ فِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ عَلَى الْحَجِّ إِلَّا بِخُصُوصِ الشَّرْعِ دُونَ عُمُومِ اللُّغَةِ.

وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ نَظَائِرِهِ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْحُكْمِ، فَكَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، خُصَّ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ عُمُومِ اللُّحُومِ الْمُبَاحَةِ، فَفِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَخْتَصُّ عُمُومُهَا بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، كَمَا خُصَّ بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَحْنَثُ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ بِأَكْلِ اللُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ اللَّحْمَ لَمْ يَبِرَّ بِأَكْلِ اللُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ.

ولو حلف لا وطئ لم يحنث بالوطء في البر.

وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ يَطَأُ لَمْ يَبِرَّ إِلَّا بالوطئ فِي الْقُبُلِ، وَيَبِرُّ وَيَحْنَثُ بِوَطْءِ الزِّنَا، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَتَيَمَّمُ كَانَ محمولاَ عَلَى تَيَمُّمِ أَعْضَائِهِ بِالتُّرَابِ، دُونَ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْقَصْدِ.

فَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ أَوْ فِي سَفَرٍ حَنِثَ، وَإِنْ تَيَمَّمَ بِالْقَصْدِ إِلَى جِهَةٍ لَمْ يَحْنَثْ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ عُمُومُ الْأَيْمَانِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، لِاتِّفَاقِ أَحْكَامِ الْأَيْمَانِ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، اعْتِبَارًا بِمَا انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ، فَتُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهَا فِيمَا حَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>