للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْطَاهُ دَابَّةً جَعَلَهَا بِرَسْمِ رُكُوبِهِ وَلَمْ يُمَلِّكْهُ إِيَّاهَا فَرَكِبَهَا الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَا سَكَنْتُ دَارَ هَذَا الْعَبْدِ، وَكَانَ سيد قَدْ أَعْطَاهُ دَارًا جَعَلَهَا مَسْكَنَهُ لَمْ يَحْنَثْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْنَثُ فِي الدَّابَّةِ وَلَا يَحْنَثُ فِي الدَّارِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ فِي الدَّابَّةِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي الدَّارِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ إِضَافَتَهُمَا إِلَيْهِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ فَلَمَّا لَمْ يَحْنَثْ فِي الدَّارِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكِهِ.

وَالثَّانِي: إنَّ الْإِضَافَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمِلْكِ حَقِيقَةً، وَعَلَى الْيَدِ مَجَازًا، وَالْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ دُونَ الْمَجَازِ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الدَّابَّةُ فِي يَدِ سَائِسِهَا، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخْلَةِ حَنِثَ بِمِلْكِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِضَافَةَ مِلْكٍ، قِيلَ: لَمَّا اسْتَحَالَ فِيهَا إِضَافَةُ الْمِلْكِ حُمِلَتْ عَلَى مَا لَا يَسْتَحِيلُ لِوُجُودِهِ فِي شَوَاهِدِ الْمَعْقُولِ، وَهِيَ عَلَى الضِّدِّ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْعَبْدِ.

(فَصْلٌ:)

وبعكس ما ذكرناه إذا حلف لم يَرْكَبُ دَابَّةَ زَيْدٍ أَوْ لَا يَسْكُنُ دَارَهُ فَرَكِبَ دَابَّةً جَعَلَهَا زَيْدٌ بِرَسْمِ عَبْدِهِ أَوْ سَكَنَ دَارًا جَعَلَهَا بِرَسْمِ عَبْدِهِ حَنِثَ فِي الدَّابَّةِ وَالدَّارِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَيَحْنَثُ فِي الدَّارِ وَلَا يَحْنَثُ فِي الدَّابَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْإِضَافَةُ مَحْمُولَةً عَلَى الْمِلْكِ اسْتِعْمَالًا لِحَقِيقَتِهَا دُونَ مَجَازِهَا وَجَدَ بِهِ قِيَاسًا مُسْتَمِرًّا وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ زَيْدٍ فَسَكَنَ دَارًا يَسْكُنُهَا زَيْدٌ وَبَكْرٌ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَنَا، وَحَنَّثَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ الْعَبْدِ أَوْ لَا يَسْكُنُ دَارَهُ، فَمَلَّكَهُ سَيِّدُهُ دَابَّةً وَدَارًا فَفِي حِنْثِ الْحَالِفِ بِرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَسُكْنَى دار، قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ مِنَ الْعَبْدِ، هَلْ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ، فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِّكَ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ يَمْلِكُ إِذَا مُلِّكَ، فَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورٍ لِأَصْحَابِنَا، وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَا يَحْنَثُ بِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ مُلِّكَ، لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِمَا تَمَلَّكَهُ السَّيِّدُ مِنَ الرُّجُوعِ فِيهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ مَعْلُولٌ بِالْوَالِدِ إِذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ كَانَ تَامًّا، وَإِنِ اسْتَحَقَّ الْوَالِدُ الرُّجُوعَ فِيهِ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ الْمَكَاتَبِ فَرَكِبَ دَابَّتَهُ حَنِثَ بِهَا الْحَالِفُ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكُهَا، وَلَمْ يَحْنَثْ بِهَا مِنْ قَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ؛ تَعْلِيلًا بِأَنَّ ملكه غير مستقر.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ صدقةٌ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ فَمَذْهَبُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعدةٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعطاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>