للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ لَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَتِكَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَجَاءَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَابِ، فَقَالَ هَاهُنَا: " هَارُوتُ وَمَارُوتُ، فَقَالَتْ يَا طَيِّبَ بْنَ الطَّيِّبِ، ادْخُلْ أَعُوَذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تُفَرِّقِي بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، قَالَتْ: إِنِّي جَعَلْتُ كُلَّ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، وَقُلْتُ: إِنَّهَا يومٌ يهوديةٌ، ويومٌ نصرانيةٌ، وَيَوْمٌ مجوسيةٌ، قَالَ: تُكَفِّرِينَ يَمِينَكِ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ فَتَاكِ وَفَتَاتِكِ.

وَرُوِيَ أَنَّهَا سَأَلَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَكُلُّهُمْ قَالَ لَهَا: كَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ وَخَلِّي بَيْنَهُمَا فَفَعَلَتْهُ.

وَرَوَى خِلَاسُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ أَهْدَتْ ثَوْبَهَا إِنْ مَسَّتْهُ، فَقَالَ: لِتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا، وَلِتَلْبَسْ ثَوْبَهَا وَإِذَا كَانَ هَذَا مَرْوِيًّا عَنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُمْ فَهُوَ إِجْمَاعٌ قَاطِعٌ فَاعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ مَا حَكَاهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله الهندواي أَنَّ الْقَوْلَ بِالْوَفَاءِ قَوْلُ الْعَبَادِلَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ.

قِيلَ: لَهُمْ هَذِهِ دَعْوَى يَدْفَعُهَا مَا رَوَيْنَاهُ عن عبد بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَّ أَحَدًا مِنْ نَقَلَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لَمْ يَرْوِ خِلَافَهُ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ وَيَجِبُ بِحِنْثِهِ كَفَّارَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حِنْثِهِ بِاللَّهِ جَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ حُكْمُ حِنْثِهِ فِي النَّذْرِ كَقَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ علي نذره.

وَلِأَنَّهُ لَوْ جَرَّدَ نَذْرَهُ عَنْ يَمِينٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَلَوْ جَرَّدَ يَمِينَهُ عَنْ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا النَّذْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَيْمَانِ الْمَحْضَةِ وَالنُّذُورِ الْمَحْضَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحِنْثُ فِيهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ حِنْثِ الْأَيْمَانِ وَحِنْثِ النُّذُورِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهِيَ وَارِدَةٌ فِي نَذْرِ جَزَاءٍ وَتَبَرُّرٍ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَفِ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرَيْنِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نَذْرِ الْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرِ فَمِنْ وجهن:

أَحَدُهُمَا: إنَّ النَّذْرَ لَا لِمَحْضِ مُعَاوَضَةٍ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، فَيَجْعَلُ النَّذْرَ لَازِمًا فِي الْجَزَاءِ وَلَا يَجْعَلُهُ لَازِمًا فِي التَّبَرُّرِ الْمُبْتَدَأِ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إنَّ مَقْصُودَ النَّذْرِ طَاعَةُ اللَّهِ وَمَقْصُودَ هَذَا الْتِزَامُ فِعْلٍ أَوِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلٍ فَلِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مَا اخْتَلَفَا فِي الحكم، وهذا قول من جعل نذراً التَّبَرُّرِ لَازِمًا كَمَا كَانَ نَذْرُ الْجَزَاءِ لَازِمًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعْلِيقِ هَذَا النَّذْرِ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَهُوَ أَنَّهُ وُقُوعُ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ بِصِفَةٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى اسْتِئْنَافِ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ مُخَالِفٌ حُكْمَ تَعْلِيقِهِ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي تَفْتَقِرُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>