للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَيَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا مُتَتَابِعًا، وَمُتَفَرِّقًا، فَإِنْ صَامَهَا مُتَفَرِّقًا، نُظِرَتْ فَإِنْ صَامَ كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا بِأَسْرِهِ، وَلَمْ يُفْطِرْ فِي شَيْءٍ من أيامه، اعتد بما بين هلاله شَهْرًا سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا، أَوْ نَاقِصًا، وَإِنْ أَفَطَرَ يَوْمًا مِنْهُ اسْتَوْفَاهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَامِلَةً، لِفَوَاتِ هِلَالِهِ فَإِنْ كَانَ كَامِلًا قَضَى يَوْمَ فِطْرِهِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، صَامَ يَوْمَيْنِ يَوْمَ فِطْرِهِ وَيَوْمَ نُقْصَانِهِ وَيَكُونُ فِي صِيَامِهِ كُلَّ شَهْرٍ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، حَتَّى يَسْتَكْمِلَ صِيَامَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، سَوَاءٌ تَابَعَ شُهُورَهَا أَوْ فَرَّقَهَا فَلَوْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ صِيَامَ ثَلَاثَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا، لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ هِلَالُ كُلِّ شَهْرٍ بِصِيَامِ بَعْضِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا الْمُتَتَابِعُ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ سَنَةً مُتَتَابِعَةً " فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ، لِأَنَّ تَرْكَ التَّعْيِينِ لَهَا قَدْ جَعَلَ نَذْرَ صِيَامِهَا مَضْمُونًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَهُ إِذَا شَرَعَ فِي صِيَامِهَا، أَنْ يَبْتَدِئَهَا بِأَيِّ شَهْرٍ شَاءَ مِنْ شُهُورِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَهَا بِالْمُحَرَّمِ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ أَوَّلُ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَهَذِهِ السَّنَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، وَإِذَا نَذَرَ صِيَامَهُ شهر كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِصِيَامِ أَوَّلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْتَدِئَ صِيَامَهُ بَعْدَ ذَهَابِ بَعْضِهِ، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ الصِّيَامَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا تَقَدَّمَهُ فَإِذَا صَامَ سَنَةً مُتَوَالِيَةَ الْأَهِلَّةِ سَقَطَ مِنَ الِاعْتِدَادِ بِهَا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّرْعُ مِنْهَا، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، لِأَنَّ صِيَامَهُ عَنْ فَرْضِهِ دُونَ نَذْرِهِ، وَالْخَمْسَةُ أَيَّامٍ الَّتِي مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ صِيَامِهَا، وَهِيَ: الْعِيدَانِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةُ، وَلَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ صِيَامِهِ لِفِطْرِهِ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي صِيَامِ السَّنَةِ الْمُتَتَابِعَةِ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْهَا، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ مَا لَمْ يَعْتَدَّ بِصِيَامِهِ مِنْ نَذْرِهِ مُتَّصِلًا بِصِيَامِهِ، فَإِنْ كَانَ شَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ تَامَّيْنِ، فَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْهُمَا عَنْ رَمَضَانَ ثَلَاثونَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا، لِأَنَّ نُقْصَانَهُ قَدْ فَاتَ هِلَالُهُ، وَيَوْمَ فِطْرِهِ مِنْ شَوَّالٍ وَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.

وَإِنْ كَانَ شَوَّالٌ، وَذُو الْحِجَّةِ، نَاقِصَيْنِ، قَضَى سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، لِأَنَّ شوال وَذَا الْحِجَّةِ قَدْ فَاتَهُ هِلَالُهُمَا بِالْفِطْرِ فِي بَعْضِهِمَا، فَلَزِمَهُ إِتْمَامُهُمَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا سَقَطَ عَنْهُ قَضَاءُ هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي صِيَامِ السَّنَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُ قَضَاؤُهَا فِي الْمُعَيَّنَةِ، قِيلَ: لِأَنَّ نَذْرَهُ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ تَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ، فَانْعَقَدَ عَلَى مَا يَجُوزُ صِيَامُهُ فِي النَّذْرِ، وَخَرَجَ مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ صِيَامُهُ فِيهِ وَنَذْرُهُ فِي السَّنَةِ الْمُطْلَقَةِ، تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ، فَانْعَقَدَ عَلَى كَمَالِ الْمُدَّةِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِنْ عَقَدَ نَذْرَهُ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ صَامَ ذَلِكَ عَنْ نَذْرِهِ أَجْزَأَهُ الْعِيدَانِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَأَمَّا رَمَضَانُ فَيُجْزِئُهُ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلَا يُجْزِئُهُ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>