للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَوَاهُ، فَأَمَّا إِذَا أَطْلَقَ نَذْرَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَا نَوَاهُ، وَقَالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ، أَوْ صَلَاةٌ " لَزِمَهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ شَرْعًا، فَاسْتُحِقَّ نَذْرًا.

وَلَوْ قِيلَ: يَلْزَمُهُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ مَذْهَبًا، لِأَنَّهُ أَقَلُّ صَوْمٍ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ نَصًّا، فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ يَلْزَمُهُ مِنْهَا رَكْعَتَانِ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَفَرَّدَ الرَّبِيعُ بِنَقْلِهِ، تَلْزَمُهُ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ، وَالْوِتْرُ تَبَعٌ، فَوَجَبَ إِلْحَاقُهُ بِالْأَصْلِ دُونَ التَّوَابِعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ، وَهُوَ إِذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ.

وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالصَّلَاةِ فِي الْآخَرِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِنَذْرِهِ فِيهِ، وَلَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الْمُخْتَصُّ بِوُجُوبِ الْفَضْلِ فِي الشَّرْعِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَامِعِ الْبَصْرَةِ، أَوِ الْكُوفَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ فِي الشَّرْعِ الصَّلَاةُ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ فِي النَّذْرِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) {النحل: ٩١) . فَكَانَ إِذًا عَلَى عُمُومِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا يُطِيقُهُ فَلْيَفِ بِهِ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ " وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " صلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صلاةٍ فِي مَسْجِدِي وصلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ " فَجَعَلَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، كَمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، فَصَارَ النَّاذِرُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، كَالنَّاذِرِ لِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، فَلَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَ نَذْرَ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَهُوَ إِذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَوْ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَفِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِيهِ قولان، بناء عل اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ النَّذْرِ بِالْمَشْيِ إليهما:

<<  <  ج: ص:  >  >>