للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: بِمَا تَرَكُوا مِنَ الْعَمَلِ لِيَوْمِ الْحِسَابِ.

وَالثَّانِي: بِمَا أَعْرَضُوا عَنْ يَوْمِ الْحِسَابِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: ٧٨] قَالَ قتادة: النفش: وعي الليل، والهمل وعي النهار.

{وكنا لحكمهم شاهدين} وَكَانَ الْحُكْمُ فِي غَنَمٍ رَعَتْ كَرْمَ آخَرَ، وَقِيلَ زَرْعَهُ، فَحَكَمَ دَاوُدُ بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ أَوِ الزَّرْعِ، وَحَكَمَ سُلَيْمَانُ بِأَنْ تُدْفَعَ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ لِيَنْتَفِعَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَيُدْفَعَ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ لِيُعَمِّرَهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى حَالَتِهِ ثُمَّ يردّ الْكَرْم وَتسْتَرْجع الْغَنَم.

فقال تعالى: {ففهمناها سليمان} فَكَانَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا قَضَاهُ سُلَيْمَانُ فَرَجَعَ دَاوُدُ عَنْ حُكْمِهِ إِلَى حُكْمِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ نَقَضَ دَاوُدُ حُكْمَهُ بِاجْتِهَادِ سُلَيْمَانَ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ أَفْتَى بِهَذَا الْحُكْمِ وَلَمْ يُنَفِّذْهُ فَلِذَلِكَ رَجَعَ عَنْهُ.

والثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ سُلَيْمَانَ عَنْ وَحْيٍ فَيَكُونُ نَصًّا يَبْطُلُ بِهِ الِاجْتِهَادُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ آتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ مِثْلَ مَا آتَاهُ لِلْآخَرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ آتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْحُكْمِ وَالْعِلْمِ غَيْرَ مَا آتَاهُ لِلْآخَرِ.

وَفِي الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ الِاجْتِهَادُ وَالْعِلْمَ النَّصُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ: الْقَضَاءُ وَالْعِلْمَ: الْفُتْيَا.

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَرَأَيْتَ الْحُكَّامَ قَدْ هَلَكُوا لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ وَأَثْنَى عَلَى هَذَا بِصَوَابِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] .

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَعُرْوَةُ ابْنَا الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الزُّبَيْرِ وَرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَقِيلَ إِنَّهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، تَخَاصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ نَخْلًا لَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ " فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ إِنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ ! فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>