للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ وَالصَّلَاةُ لَا تَحْتَاجُ مِنْ الِاجْتِهَادِ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ فَكَانَ مَنْعُ الْأَخْبَثَيْنِ مِنَ الْقَضَاءِ أَوْلَى، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَأْكُلُ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ آخُذُ حُكْمِي ثُمَّ أَخْرُجُ فَأَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحَاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ بِهَا عَقْلُهُ أَوْ خُلُقُهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا يَقْضِيَ حَتَّى تَذْهَبَ.

فَعَلَى هَذَا إِنْ قَضَى فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الَّتِي مُنِعَ مِنَ الْقَضَاءِ فِيهَا نَفَذَ حُكْمُهُ إِنْ وَافَقَ الْحَقَّ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اسْقِ زَرْعَكَ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ: اسْقِ زَرْعَكَ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ أُصُولَ الْجَدْرِ فَكَانَ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ اسْتَنْزَلَ فِيهِ الزُّبَيْرَ عَنْ كَمَالِ حَقِّهِ ثُمَّ وَفَّاهُ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي وَقَدْ أَمْضَاهُ فِي غَضَبِهِ فَدَلَّ عَلَى نُفُوذِ حُكْمِهِ.

[(فصل: استيفاء القاضي حاجاته الأساسية)]

:

فإذا ما ذكرنا فَيُخْتَارُ لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَجْلِسَ لِلْحُكْمِ الْعَامِّ إِلَّا بَعْدَ سُكُونِ نَفْسِهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ حَتَّى تَتُوقَ نَفْسُهُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتَعَرَّضَ لِلْأَخْبَثَيْنِ وَيَسْتَوْفِيَ حَظَّهُ مِنَ النَّوْمِ وَالدَّعَةِ وَيَقْضِيَ وَطَرَهُ مِنَ الْجِمَاعِ حَتَّى يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنِ الْحُرُمِ وَيَلْبِسَ مَا يَسْتَدْفِعُ بِهِ أَذَى وَقْتِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَيَفْرَغَ مِنْ مُهِمَّاتِ أَشْغَالِهِ لِئَلَّا يَهْتَمَّ بِمَا يَشْغَلُ خَاطِرَهُ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ.

وَيُصَلِّي عِنْدَ التَّأَهُّبِ لِلْجُلُوسِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ فِي مَسْجِدٍ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحِيَّةً مَسْنُونَةً فَيُصَلِّيهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْقَاتِ النَّهْيِ، وَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ كَانَتِ الصَّلَاةُ تَطَوَّعًا فَيُصَلِّيهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَيَدْعُو اللَّهَ بَعْدَهَا بِمَا رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ ".

وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَقُولُهُنَّ وَيَزِيدُ عَلَيْهِنَّ أَوْ أَعْتَدِي أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ، اللَّهُمَّ أَعِنِّي بِالْعِلْمِ وَزَيِّنِّي بِالْحِلْمِ وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى حَتَّى لَا أَنْطِقَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إِلَّا بِالْعَدْلِ وَيُسْتَحَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>