للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

( [القول في تخصيص العموم بِالْقِيَاسِ] )

وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ.

وَفِي جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَجْهَانِ.

فَإِذَا عَدِمَ الْمُجْتَهِدُ أَدِلَّةَ التَّخْصِيصِ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْعُمُومِ عَلَى الْعُمُومِ.

فَإِذَا خُصَّ الْعُمُومُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحَدِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَخْصُوصِ مِنَ الْعُمُومِ وَلَمْ يَجُزِ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَاقِي مِنَ الْعُمُومِ.

مِثَالُهُ: أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٧] لَمَّا خَصَّ مِنْهُ مَنْ سَرَقَ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ كَثَرٍ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَقِيسَ عَلَى قَطْعِ السَّارِقِ قَطْعَ مَنْ لَيْسَ بِسَارِقٍ، وَجَازَ أَنْ نَقِيسَ عَلَى سَارِقِ الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ سَارِقَ غَيْرِ الثَّمَرِ وَالْكَثَرِ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْهُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْعُمُومَ لَمَّا ضَعُفَ حُكْمُهُ عَنِ اسْتِيفَاءِ اسْمِهِ ضَعُفَ مَعْنَاهُ عَنِ اجْتِذَابِ غَيْرِهِ وَالْمَخْصُوصُ لَمَّا قَوِيَ حُكْمُهُ عَلَى اسْتِيفَاءِ اسْمِهِ قَوِيَ مَعْنَاهُ عَلَى اجْتِذَابِ غَيْرِهِ.

وَلِذَلِكَ قَاسَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِهِ وَهُوَ مَخْصُوصُ تَحْرِيمِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَلَمْ يَقِسْهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْعُمُومِ فِي الْإِبَاحَةِ.

(فَصْلٌ: [القسم الثاني وهو المفسر والمجمل] )

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُفَسَّرُ وَالْمُجْمَلُ فَالْمُفَسَّرُ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ بِهِ.

وَالْمُجْمَلُ هُوَ مَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْمُرَادُ بِهِ.

وَمِثْلُهُ فِي الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣ / النساء: ٤، ٧ / النور: ٥٦ / المزمل: ٢٠] .

وَمِثْلُهُ فِي السُّنَّةِ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا: عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ".

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَازَ خِطَابُهُمْ بِمَا لَا يَفْهَمُونَهُ مِنَ الْمُجْمَلِ؟ قِيلَ: لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِيَكُونَ إِجْمَالُهُ تَوْطِئَةً لِلنُّفُوسِ عَلَى قَبُولِ مَا يَتَعَقَّبُهُ مِنَ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ لَوْ بَدَأَ فِي تَكْلِيفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ بِبَيَانِهِمَا جَازَ أَنْ تَنْفِرَ النُّفُوسُ مِنْهُمَا وَلَا تَنْفِرُ مِنْ إِجْمَالِهِمَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنَ الْأَحْكَامِ جَلِيًّا، وَجَعَلَ مِنْهَا خَفِيًّا؛ لِيَتَفَاضَلَ النَّاسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>