للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْعِلْمِ بِهَا، وَيُثَابُوا عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ لَهَا. كَذَلِكَ جَعَلَ مِنْهَا مُفَسَّرًا جَلِيًّا، وَجَعَلَ مِنْهَا مُجْمَلًا خَفِيًّا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُجْمَلُ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ الْإِجْمَالُ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَقَعَ الْإِجْمَالُ فِي الْحُكْمِ الْمُبْهَمِ.

فَأَمَّا الْإِجْمَالُ فِي الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ فَمِثْلُ الْقَرْءِ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالشَّفَقُ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، وَالَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبِ وَالزَّوْجِ.

فَإِنِ اقْتَرَنَ بِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أُخِذَ بِهِ، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَاقْتَرَنَ بِهِ عُرْفٌ عَمِلَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَعُرْفٍ وَجَبَ الِاجْتِهَادُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا وَكَانَ مِنْ خَفِيِّ الْأَحْكَامِ الَّتِي وُكِّلَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ فَصَارَ دَاخِلًا فِي الْمُجْمَلِ لِخَفَائِهِ وَخَارِجًا مِنْهُ لِإِمْكَانِ اسْتِنْبَاطِهِ.

وَأَمَّا الْإِجْمَالُ فِي الْحُكْمِ الْمُبْهَمِ: فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ إِجْمَالُهُ فِي لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣ - النساء: ٧٧ - النور: ٥٦ - المزمل: ٢٠] {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: ١٤١] .

والثاني: كما كَانَ إِجْمَالُهُ بِغَيْرِهِ.

مِثَالُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَالرِّبَا صِنْفٌ مِنَ الْبُيُوعِ صَارَ بِهِ الْبَاقِي مِنَ الْبُيُوعِ مُجْمَلًا عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عُمُومٌ خُصَّ مِنْهُ الرِّبَا.

وَمِثَالُهُ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الصُّلْحُ جَائِزٌ إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا " وَكِلَا الضَّرْبَيْنِ مُجْمَلٌ يَفْتَقِرُ إِلَى بَيَانٍ يُفْهَمُ بِهِ الْمُرَادُ.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَيَلْزَمُ التَّعَبُّدُ بِهِ قَبْلَ بَيَانِهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ وَقَالَ لَهُ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةٍ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهُ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَتَعَبَّدَهُمْ بِالْتِزَامِ الزَّكَاةِ قَبْلَ بَيَانِهَا.

وَفِي كَيْفِيَّةِ تَعَبُّدِهِمْ بِالْتِزَامِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَتَعَبَّدُونَ قَبْلَ الْبَيَانِ بِالْتِزَامِهِ مُجْمَلًا وَبَعْدَ الْبَيَانِ بِالْتِزَامِهِ مُفَسَّرًا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْبَيَانُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُجْمَلِ وَهُوَ ضَرْبَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>