للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(فصل: [القسم الثالث بيان المطلق والمقيد] )]

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ: فَهُوَ أَنْ يَرِدَ الْخِطَابُ مُقَيَّدًا بِحَالٍ أَوْ وَصْفٍ أَوْ شَرْطٍ ثُمَّ يَرِدُ مِنْ جِنْسِهِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَصْفٍ وَلَا شَرْطٍ.

وَالْكَلَامُ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي الْمُقَيَّدِ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَى الشَّرْطِ الْمُقَيَّدِ بِهِ أَمْ لَا؟

وَالثَّانِي: فِي الْمُطْلَقِ هَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى حُكْمِ الْمُقَيَّدِ مَنْ جِنْسِهِ أَمْ لَا؟

فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمُقَيَّدِ بِالشَّرْطِ: فَهُوَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ تَقْيِيدُهُ بِالْوَصْفِ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ، فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ وَيَنْتَفِي بِعَدَمِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سفر} إِلَى قَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] فَكَانَ تَقْيِيدُ التَّيَمُّمِ بِالْمَرَضِ وَالسِّفَرِ شَرْطًا فِي إِبَاحَتِهِ وَكَقَوْلِهِ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: ٨٩] فَكَانَ الْعَدَمُ شَرَطًا فِي جَوَازِ الصِّيَامِ إِلَى نَظَائِرِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ فِيمَا كَانَ مَعْنَاهُ خَاصًّا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَكُونُ الْوَصْفُ الْمُقَيَّدُ شَرْطًا فِي حُكْمِ الْأَصْلِ وَيَعُمُّ حُكْمُهُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] وَلَيْسَ الْخَوْفُ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْقَصْرِ لِجَوَازِهِ مَعَ الْأَمْنِ وَكَقَوْلِهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] وَلَيْسَ الْعَمْدُ شَرْطًا فِي وُجُوبِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ وَكَقَوْلِهِ فِي تَحْرِيمِ المناكح: {وربائبكم اللائي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: ٢٣] وَلَيْسَ كَوْنُهَا فِي الْحِجْرِ شَرْطًا فِي الْحَظْرِ لِتَحْرِيمِهَا فِي الْحَالَيْنِ.

وَهَذَا الْقِسْمُ فِيمَا كَانَ مَعْنَاهُ عَامًّا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُقَيَّدِ.

فَإِنْ كَانَ خَاصًّا كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ ثَبَتَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ.

وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ عَامًّا كَالْقِسْمِ الثَّانِي سَقَطَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ.

وَأَنْكَرَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَمِنْهُمْ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا الْقِسْمَ وَأَجْرَوْا جَمِيعَ الْمُقَيَّدِ عَلَى تَقْيِيدِهِ وَجَعَلُوهُ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ يَثْبُتُ بِوُجُودِهِ وَيَسْقُطُ بِعَدَمِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>