للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ مُنَافِيًا لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَأَثْبَتَهُ أَحَدُهُمَا وَنَفَاهُ الْآخَرُ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ الْكِتَابُ فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَتَقَدَّمَ السُّنَّةُ عَلَى الْكِتَابِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِالسُّنَّةِ دُونَ الْكِتَابِ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تُنْسَخُ بِالْكِتَابِ. وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَجَازَ نَسْخَ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَصْحَابِهِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَغَيْرِهِ يَكُونُ الْعَمَلُ عَلَى الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ وَتَكُونُ السُّنَّةُ مَنْسُوخَةً بِالْكِتَابِ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَرِدَا مَوْرِدًا وَاحِدًا وَلَا يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي الْمَأْخُوذِ بِهِ مِنْهُمَا، عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: يُؤْخَذُ فِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ أَصْلُ السُّنَّةِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا أَتَاكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ وَافَقَهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فَاتْرُكُوهُ ".

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنْ يُؤْخَذَ فِيهِ بِحُكْمِ السُّنَّةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْبَيَانِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] .

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْهُمَا، حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا.

وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: أَنْ يُنْظَرَ فِي حُكْمِ السُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ تَخْصِيصًا عُمِلَ عَلَى السُّنَّةِ دُونَ الْكِتَابِ، لِأَنَّ عُمُومَ الْكِتَابِ مَخْصُوصٌ بِالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ نَسْخًا عُمِلَ عَلَى الْكِتَابِ دُونَ السُّنَّةِ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ: فَإِنِ اتَّفَقَا وَكَانَ الْفِعْلُ فِيهِمَا مُوَافِقًا لِلْقَوْلٍ تَأَكَّدَ الْحُكْمُ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ، وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ تَنَافَيَا فِيهِ وَكَانَ الْفِعْلُ فِي السُّنَّةِ مُخَالِفًا لِلْقَوْلِ: مِثْلُ أَنْ يَرِدَ عَنِ الرَّسُولِ قَوْلٌ فَيُعْمَلُ بِخِلَافِهِ، وَالْأَحْكَامُ قَدْ تُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُمْكِنَ اسْتِعْمَالُهُمَا عَلَى مَا لَا يَتَنَافَيَانِ، مِثْلُ نَهْيِهِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ فَحُمِلَ نَهْيُهُ عَنِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا، وَحُمِلَ فِعْلُهُ عَلَى الصلاة التي لها سبب، فيجب العمل بهما وَيُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا يُوجِبُهُ اسْتِعْمَالُهُمَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الْفِعْلِ، كَمَا بَيَّنَ اخْتِصَاصَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>