للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ " وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ الْإِلْهَامَ دَلِيلًا.

وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لِأَمْرَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِثْبَاتَ الشَّرْعِ دَلِيلٌ لَا يَجُوزُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ اتِّفَاقَ الْكَافَّةِ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يُوجَدُ.

وَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَنْ أَحَدِ أَدِلَّتِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَطْعِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصِحَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ يُقْطَعُ بِصِحَّتِهِ لِيَصِحَّ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِجْمَاعَ غَيْرُ مَعْصُومٍ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ اعْتِبَارًا بِأَهْلِهِ فِي نَفْيِ الْعِصْمَةِ عَنْ آحَادِهِمْ فَكَذَلِكَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ، وَلَا يَكُونُ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِهِ مُوَجِبًا لِعِصْمَتِهِ كَمَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْصُومٍ.

(فَصْلٌ: [الْقَوْلُ فِيمَا يَنْعَقِدُ به الإجماع] )

:

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ: فَانْعِقَادُهُ مُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ قَوْلُ الْخَاصَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ دُونَ الْعَامَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: ١٨] فَخَصَّ أَهْلَ الْعِلْمِ دُونَ الْعَامَّةِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ " وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ " وَقَدْ خَالَفَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَنَّ الْبَرَدَ لَا يُفْطِرُ الصَّائِمَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ فَرَدُّوا قَوْلَهُ وَلَمْ يَعْتَدُّوا خِلَافَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ عُلَمَائِهِمْ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قَوْلَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ كُلِّهِمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الْإِجْمَاعُ مُعْتَبَرٌ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَلَا يَنْتَقِضُ إِجْمَاعُهُمْ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، لِنُزُولِ الْوَحْيِ فِيهِمْ، وَقَبْضِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمْ، وَانْتِشَارِ الْعِلْمِ عَنْهُمْ، وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ الْعِلْمَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>