للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً تُلْزِمُ الْعَمَلَ بِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِمَا يُوَافِقُهُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ يُخَالِفُهُ.

وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَيَكُونُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةً بِالْقِيَاسِ.

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَالْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إِذَا تَجَرَّدَ عَنْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ أَوْ خَفِيٍّ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ مَعَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ جَلِيٌّ وَيُخَالِفُهُ قِيَاسٌ خَفِيٌّ فَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَعَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْلَى.

وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مَعَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ قِيَاسٌ خَفِيٌّ وَيُخَالِفُهُ قِيَاسٌ جَلِيٌّ:

فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ: أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مَعَ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ أَوْلَى وَأَلْزَمُ مِنَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَهْدَى إِلَى الْحَقِّ.

ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ وَجَعَلَ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ أَوْلَى بِالْعَمَلِ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ مَعَ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَتَحَاجُّونَ بِالْقِيَاسِ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " أَلَا لَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَ الْأَبِ أَبًا "، وَإِذَا لَزِمَهُمُ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ كَانَ لِغَيْرِهِمْ ألزم.

[(فصل: ما يستقر به الإجماع)]

:

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْإِجْمَاعُ: فَمُعْتَبَرٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: الْعِلْمُ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِقَوْلِهِمْ عَمَلٌ أَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ.

وَمَنَعَ بَعْضُ النَّاسِ مِنِ اسْتِقْرَارِ الْإِجْمَاعِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ عَمَلٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ تَحْقِيقُ الْقَوْلِ.

وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ حُجَجَ الْأَقْوَالِ أَوْكَدُ مِنْ حُجَجِ الْأَفْعَالِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا انْفَرَدَ حُجَّةً فَلَمْ يَلْزَمِ اجْتِمَاعُهُمَا إِذَا لَمْ يَخْتَلِفَا.

فَإِنْ تَجَرَّدَ الْإِجْمَاعُ فِي الْقَوْلِ عَنْ عَمَلٍ يُخَالِفُهُ أَوْ يُوَافِقُهُ كَانَ الْقَوْلُ إِجْمَاعًا.

وَإِنْ تَجَرَّدَ الْإِجْمَاعُ فِي الْعَمَلِ عَنْ قَوْلٍ يُوَافِقُهُ أَوْ يُخَالِفُهُ كَانَ الْعَمَلُ إِجْمَاعًا.

فَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَمَلِ بَطَلَ الْإِجْمَاعُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْعَمَلِ تَأْوِيلٌ.

وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَوْلِ بَطَلَ الْإِجْمَاعُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْقَوْلِ تَأْوِيلٌ لِمَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْقَوْلِ والعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>