للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَعَدِّيهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَإِنْ تَوَزَّعْنَا فِي تَعْلِيقِ الْأَحْكَامِ بِالْمَعَانِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ كَافِيًا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مَعَانِي الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ لِيُعْلَمَ بِالْقِيَاسِ حُكْمُ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ مِنْ مَعَانِي مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، فَمَا وُجِدَ فِيهِ مَعْنَى النَّصِّ شَارَكَهُ فِي حُكْمِهِ قِيَاسًا، وَمَا عُدِمَ فِيهِ مَعْنَى النَّصِّ خَالَفَهُ فِي حُكْمِهِ عَكْسًا فَيَكُونُ الْقِيَاسُ مُوجِبًا لِحُكْمِ الْإِثْبَاتِ فِي الطَّرْدِ وَحُكْمِ النَّفْيِ فِي الْعَكْسِ.

وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ مُوجِبًا لِحُكْمِ الطَّرْدِ فِي الْإِثْبَاتِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُوجِبًا لِحُكْمِ الْعَكْسِ فِي النَّفْيِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنِ اعْتَبَرَ صِحَّةَ الْعِلَّةِ بِالطَّرْدِ دُونَ الْعَكْسِ وَذَاكَ قَوْلُ مَنِ اعْتَبَرَ صِحَّتَهَا بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعَانِي وَالْعِلَلِ: أَنَّ الْمَعْنَى مَا وَجَبَ بِهِ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ حَتَّى تَعَدَّى إِلَى الْفَرْعِ. وَالْعِلَّةُ اجْتِذَابُ حُكْمِ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ. فَصَارَ الْمَعْنَى مَا ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَالْعِلَّةُ مَا ثَبَتَ بِهَا حُكْمُ الْفَرْعِ. ثُمَّ هُمَا بَعْدَ هَذَا الْفَرْقِ يَجْتَمِعَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

فَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي الِاجْتِمَاعِ.

فَأَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ مَوْجُودٌ فِي الْمَعْنَى وَالْعِلَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى وَالْعِلَّةَ مَوْجُودَانِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.

وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي الِافْتِرَاقِ.

فَأَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلَّةَ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنَ الْمَعْنَى وَلَيْسَ الْمَعْنَى مُسْتَنْبَطًا مِنَ الْعِلَّةِ لِتَقَدُّمِ الْمَعْنَى وَحُدُوثِ الْعِلَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ وَالْمَعَانِي لَا تَشْتَمِلُ عَلَى عِلَلٍ، لِأَنَّ الطَّعْمَ وَالْجِنْسَ مَعْنَيَانِ وَهُمَا عِلَّةُ الرِّبَا.

وَقَدْ أَلِفَ الْفُقَهَاءُ أَنْ يُعَبِّرُوا عَنِ الْمَعْنَى بِالْعِلَّةِ وَعَنِ الْعِلَّةِ بِالْمَعْنَى وَلَا يُوقِعُوا بَيْنَهُمَا فَرْقًا إِمَّا اتِّسَاعًا وَإِمَّا اسْتِرْسَالًا.

وَالتَّحْقِيقُ فِيهِمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي وَالْعِلَلِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ تُعْتَبَرُ بِهَا صِحَّتُهُمَا ثُمَّ تَخْتَصُّ الْعِلَلُ دُونَ الْمَعَانِي بِشَرْطَيْنِ مختلف فيهما.

( [شروط صحة المعاني والعلل] )

:

فَأَمَّا الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي صِحَّتِهِمَا:

<<  <  ج: ص:  >  >>