للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمْعِ أَوْ عَلَى الْإِبَاحَةِ بَطَلَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَدْ حَكَمُوا فِيهَا بِغَيْرِ نَصٍّ وَهُمْ يَمْنَعُونَ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ مَنْ غَابَ عَنِ الْقِبْلَةِ وَخَفِيَتْ عَلَيْهِ جِهَتُهَا هَلْ يُحْمَلُ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ وَفِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوِ الْحَظْرِ. فَإِنِ ارْتَكَبُوهُ أَبْطَلُوا بِهِ فَرْضَ الصَّلَاةِ.

وَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْهُ بَطَلَ أَصْلُهُمْ وَقِيلَ لَهُمْ: أَيُصَلِّي إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِنَصٍّ أَوِ اسْتِدْلَالٍ. فَإِنْ قَالُوا بِنَصٍّ بَهَتُوا وَلَمْ يَجِدُّوا.

وَإِنْ قَالُوا بِاسْتِدْلَالٍ ثَبَتَ جَوَازُ الْحُكْمِ بِالِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ.

وَهَذَا لَوْ جُعِلَ دَلِيلًا لَكَانَ مُقْنِعًا.

وَدَلِيلٌ آخَرُ: هُوَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ فِي فِطَرِ العقول أن يستدل بالشاهد عَلَى الْغَائِبِ، وَيُجْمَعَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي الشَّبَهِ، وَيُسَوَّى بَيْنَ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي قَضَايَا السَّمْعِ اسْتِدْلَالٌ بِالشَّاهِدِ عَلَى الغائب والجمع بين المتماثلين في الشبه والمتفقن فِي الْمَعْنَى اسْتِدْلَالًا بِالْعَقْلِ وَالسَّمْعِ.

فَأَمَّا الْعَقْلُ فَشَوَاهِدُهُ وَاضِحَةٌ.

وَأَمَّا السَّمْعُ فَقَدِ اسْتَقَرَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ فِي الْقِبْلَةِ بِقَوْلِهِ: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤ و ١٥٠] .

وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُشْتَبِهَيْنِ فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] .

وَفِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى لِاعْتِبَارِ الرِّقِّ فِي حَدِّ الْعَبْدِ بِالزِّنَا بِحَدِّ الْأَمَةِ بِقَوْلِهِ: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] .

فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْلِ مُتَّفِقَةٌ وَأَحْكَامَ السَّمْعِ مُخْتَلِفَةٌ فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

قِيلَ: نَحْنُ نَقِيسُ عَلَى أَحْكَامِ السَّمْعِ مَا وافقها كما نقيس عَلَى أَحْكَامِ الْعَقْلِ مَا وَافَقَهَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا لِفُرُوعِهِ فِي الْمُمَاثَلَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ فَرَّقَ السَّمْعُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ مُفْتَرِقَيْنِ وَهَذَا فِي أَحْكَامِ الْعُقُولِ مُمْتَنِعٌ.

قِيلَ: الْقِيَاسُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ عَدَمِ السَّمْعِ وَإِذَا وَرَدَ السَّمْعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ مُفْتَرِقَيْنِ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ مُجْتَمِعَيْنِ، عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ فِيهِ، وَإِذَا عُدِمَ السَّمْعُ فِي الْأَمْثَالِ وَالْأَشْبَاهِ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخَالِفْ بَيْنَ أَحْكَامِهَا، وَاسْتَعْمَلْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>