للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِحُكْمِهِمْ بِآرَائِهِمْ فَإِنَّهُ مَا زَالَ أَمْرُهُمْ صَالِحًا حَتَّى حَدَّثَ فِيهِمْ أَوْلَادُ السَّبَايَا فَقَاسُوا الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " قَالُوا: وَهَذَا نَصٌّ.

وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي نَيِّفًا وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ ".

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا حَكَمْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي ".

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ أَقْوَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ السُّنَّةِ وَإِنْ أَكْثَرُوا.

وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ قَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي ثَقِيفٍ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي إِبْلِيسَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: ١٢] وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: " أَوَّلُ مَنْ قَاسَ إِبْلِيسُ " يَعْنِي مَنْ دَفَعَ النَّصَّ بِالْقِيَاسِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا فَقَالُوا بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَدَلَّ هَذَا مِنْ قَوْلٍ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَسْتَعْمِلُوا الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَإِمَّا أَنْ يَعْمَلُوا بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ ضَلَالٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَنْ حَكَمَ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ مِنْ نَصٍّ كَالِاسْتِحْسَانِ وَاتِّبَاعِ الرَّأْيِ وَهَذَا مَذْمُومٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَعَنَ اللَّهُ الرَّأْيِيَّةَ يَعْنِي الَّذِينَ يَقُولُونَ بِآرَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>